Egipto y la Civilización Islámica
مصر والحضارة الإسلامية
Géneros
وقد وجه الصليبيون إلى مصر ثلاث حملات في عصر خلفاء صلاح الدين، ولكنهم لم يوفقوا فيها، وكان للأيوبيين الفضل في حماية وادي النيل من هذه الهجمات. وسقطت الدولة الأيوبية حين ضعف سلاطينها، وقوي شأن عبيدهم وجندهم من المماليك الذين انتهى بهم الأمر إلى القبض على مقاليد الحكم سنة 648ه/1250م. وانقضى بسقوط الأيوبيين عهد الأسرات الوراثية الحاكمة، إذ الواقع أن الوراثة لم تكن دائما القاعدة المتبعة في نظام العرش عند المماليك، ولا سيما الشراكسة منهم، بل كانت دولتهم حكومة حربية أوليجاركية، البقاء فيها للأصلح، والعرش فيها لأقوى المماليك، وأعظمهم نفوذا، وإن حدث أن أفرادا من أسرة واحدة - كأسرة قلاوون - تعاقبوا على عرش مصر فترة من الزمن. وظل المماليك البرجية أو البحرية - وهم من الترك والمغول - يحكمون وادي النيل إلى سنة 792ه/1390م، ثم خلفهم المماليك الشراكسة الذين استمر سلطانهم إلى سنة 922ه/1517م. وعلى الرغم من أن معظم سلاطين المماليك كانوا لا يمكثون على العرش طويلا، وأن المنافسات بينهم كانت تؤدي إلى الحروب الأهلية، والمؤامرات، والثورات، والسلب والنهب، وأنهم لم يراعوا نظام الوراثة في الحكم، نقول: إنهم على الرغم من ذلك كله أفلحوا في إقامة إمبراطورية إسلامية عظيمة في الشرق الأدنى، ولكن تسرب الضعف إلى سلاطينهم في نهاية القرن التاسع الهجري (15م) بسبب بعدهم عن الشعب، واستغلالهم إياه استغلالا معيبا، يعود عليهم بالمال الوفير، ويترك الشعب في بؤس شديد، فضلا عن أن الخراب المالي حل بالبلاد عندما كشف فاسكودي جاما طريقا جديدا للوصول إلى الهند حول رأس الرجاء الصالح، فتحولت التجارة إلى هذا الطريق، وضاعت على المماليك وعلى مصر المكوس التي كانت تفرض على التجارة التي تمر في مصر وسورية، فكان ذلك ضربة قاضية على حكم المماليك، وفاتحة لانتهاء دولتهم.
وكانت الدولة العثمانية الفتية تطمع في الاستيلاء على مصر، واستطاع السلطان سليم الأول أن ينتحل المعاذير، فأخذ على المماليك أنهم كانوا يجيرون من يلتجئ إليهم من أعدائه، وأنهم كانوا يوالون عدوه الشاه إسماعيل الصفوي، وحارب سليم الشاه إسماعيل، وانتصر عليه، ثم انقلب يزحف على مصر ففتحها سنة 923ه/1517م، وأصبحت مصر ولاية عثمانية، وانتقل مركز العالم الإسلامي منها إلى القسطنطينية.
ووضع العثمانيون لحكم مصر نظاما يقضي بتوزيع الحكم بين الوالي العثماني، وديوان مكون من ضباط جيش الاحتلال على أن تبقى السلطة الإدارية المحلية في يد (البكوات) أمراء المماليك، وكان الغرض من هذا التوزيع منع حكام وادي النيل من الاستقلال عن الباب العالي، ولكنه لم يستمر أكثر من قرن واحد، إذ دب الضعف في الدولة العلية، وزادت سلطة المماليك في مصر. والحق أن الحكم العثماني في وادي النيل من بداية الفتح إلى نهاية القرن الثاني عشر الهجري (18م) كان فترة ركود، بل كان من أظلم العصور في التاريخ المصري عامة، وليس فيه ما يستحق الذكر إلا ظهور علي بك الكبير واستقلاله بمصر سنة 1183ه/1769م.
ولم تكن مصر لتبقى بعيدة عن الثورة الفرنسية وآثارها الدولية فغزاها نابليون سنة 1798 ميلادية، وكانت الحملة الفرنسية على مصر ثم ظهور محمد علي فاتحة التاريخ المصري الحديث، وإيذانا باندماج وادي النيل في زمرة الأمم الحديثة بدون أن يفقد صلته بالعالم الإسلامي.
مصر والأحداث السياسية في العالم الإسلامي
ولعل من وسائل البحث في نصيب مصر في تطور الحضارة الإسلامية أن نعرض سريعا الأحداث السياسية العظيمة التي كان لمصر فيها شأن خاص.
ولنبدأ بالثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فإن الاستياء من سياسته كان شديدا في مصر، وأتيح لعبد الله بن سبأ - أكبر الدعاة ضده - أن يجد في مصر مرتعا خصيبا لدعوته، وساعد على نجاحها في وادي النيل أن انضم إليه نخبة العرب في مصر كمحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة، بل انضم إليها عمار بن ياسر، وهو رسول عثمان إلى مصر لتهدئة الحال، والبحث في أسباب السخط، ولكن الثائرين استمالوه إلى جانبهم. وخرج من مصر وفد من الثوار في نحو ستمائة رجل انضم في المدينة إلى سائر وفود الثوار من الأمصار، ولكن كان له الشأن الأكبر في مقتل عثمان،
4
فبدأت بذلك الحرب الأهلية في الإسلام إذ قام النزاع على الخلافة بين علي ومنافسيه طلحة والزبير، ثم بينه وبين معاوية، وكان عمرو بن العاص على رأس أنصار معاوية، ولعله كان يطمع في العودة إلى حكم مصر بعد أن عزله عثمان وولى عبد الله بن سعد. وقد أتيح لعمرو أن يخضع مصر لمعاوية، فأقره واليا عليها، بل أقطعه إياها، وأطلق يده في إدارة شئونها.
أما الدولة الطولونية فكانت أقدم مثل لاستقلال العنصر التركي بحكومة في قلب العالم الإسلامي، وقد تلتها أسرات تركية أخرى، ولكن ابن طولون هو الذي شق الطريق وأظهر إلى أي حد يمكن لحاكم قوي أن يصل إلى السلطان السياسي والحربي في إمبراطورية إسلامية اتسعت أرجاؤها حتى أصبح من العسير على الخلفاء الضعفاء أن يحتفظوا بنفوذهم فيها.
Página desconocida