بعد ذلك يتعلم ما يؤهله لعمل يسترزق منه في المستقبل، وإن أراد التلميذ أن يعمل ككاتب عادي، فلا يحتاج للاستزادة من العلوم عما قدمنا؛ لأن عمل الكاتب الصغير لا يخرج عن القراءة والكتابة والحساب، أما إن كان في نيته أن يكون ضابطا في الجيش؛ فلا بد له من الالتحاق بالمدرسة الحربية.
ولكي يكون كاهنا، كان يلتحق بجامعة معبد من معابد الأرباب، حيث يتلقى - كما كان موسى يتلقى - كل ما أنتجه العقل المصري في مختلف العلوم، ويقرأ كتب الدين التي تبحث عن الآلهة، والتي تكشف النقاب عن سر الحياة بعد الموت، وعن المكان الذي تحل فيه الروح بعد أن تترك أجسامها الفانية.
ونحن نجهل بعد ذلك ما لو كان التعليم يتناول تقويم الخلق وإعداد الشاب للحياة الاجتماعية أم لا، وكل ما نعلمه أنهم كانوا يعتنون عناية خاصة بتخريج الطفل، ويعودونه على احترام الكبار؛ فلا يجلس وهم واقفون، ولا يخل بأدبه ووقاره أمامهم، وعلى رأس هؤلاء الواجب احترامهم وتبجيلهم يضع الطفل والديه، وخاصة أمه؛ لأن المصريين كانوا يخصون أمهاتهم باحترام لا يطمع فيه كائن آخر. ولكي أبين ذلك أنقل للقارئ نصيحة من أب لابنه؛ قال: «يجدر بك ألا تنسى ما تكلفته أمك من المتاعب من أجل راحتك وتربيتك، فلقد حملتك في بطنها، وغذتك صغيرا، ولم تتركك أبدا، ثم تعهدتك بالتربية والتقويم ثلاث سنوات، وأحاطتك بعين العناية والرأفة. ولما دخلت المدرسة لتنهل من موارد العلم، كانت تحضر لك كل يوم غذاءك من الخبز والجعة، فإن أهملتها بعد ذلك حق عليك لومها، وإن الرب ليسمع شكواها ويستجيب دعاها.»
وربما كان أبناء اليوم لا يعملون بهذه النصائح، التي بقيت لنا في أقدم كتب في العالم.
ولكن لا إخالك تظن أن حياة الطفل المصري لم تكن إلا تربية وتعليما.
ففي أثناء العطلة تذهب العائلة المصرية إلى الغابات لتمضية يوم في صيد الأسماك أو صيد الطيور، فإذا كانوا قاصدين صيد الأسماك أنزلوا في الحال قاربا من قصب البردي، ثم حركوا مجاديفهم وهم مسلحون بالحراب، وكانت حربة الصيد ذات شعبتين من الأمام. وكانوا إذا رأوا الأسماك في باطن مياه البحيرات الهادئة الصافية صوبوا نحوها الحراب ليصطادوها، وإن ساعد الحظ فقد تصطاد الحربة سمكتين؛ سمكة في كل شعبة.
أما صيد الطيور بين المستنقعات فأعجب من ذلك بكثير، وفي هذه الحالة لا تستعمل الحراب، وإنما يتسلحون بعصي مقوسة تستعمل للرماية، ويستصحبون معهم مساعدا غير مألوف.
في هذه الأيام، يستصحب الصائد معه كلبا يدربه على إحضار الصيد الذي يسقط من رشاش بندقيته، وكان للمصريين كذلك كلاب يستعملونها في صيد الحيوانات، أما في صيد الطيور فكانوا يدربون القطط بدلا من الكلاب.
يسير القارب بهم في المستنقع بين الغاب الكثيف؛ حيث يعيش البط وغيره من الطيور المائية، ثم يقف في جهة تخفيه عن عيون الطير.
فاذا طارت بطة أو إوزة صوب الأب أو ابنه نحوها عصاه، وأطلقها بمهارة، فإذا أصابت الهدف ووقع الطير، جري نحوه القط وأتى به إلى سيده من بين الغاب.
Página desconocida