Egipto desde Nasser hasta la guerra de octubre
مصر من ناصر إلى حرب
Géneros
كان السادات يرى أن كل الوسائل صالحة من أجل تنفيذ سياسته المضمرة. وعدو اليوم يمكن أن يعد غدا أفضل صديق، على الرغم من أن سلوك هذا العدو، أو الصديق الحديث العهد، لم يتغير في جوهره قيد أنملة. وفي هذا السياق تكون المبادئ أمرا غير ذي أهمية.
ولكن هل يمكن، على سبيل المثال، أن يتباهي شخص، أيا كان، لديه ولو قليل من الاحترام لذاته، بأنه كان يتعاون مع النازيين الفاشيين؟ بالطبع لا يوجد، لكن السادات بإمكانه أن يفعل ذلك. لزمن طويل راحت الأحاديث تدور أن السادات عمل في خدمة الألمان أو تعاون معهم إبان الحرب العالمية الثانية. لقد قدم الجيش السوفييتي ومعه جيوش الحلفاء في نضالهم ضد هتلر ملايين الأنفس ثمنا باهظا لإنقاذ العالم من هذا الطاعون الأسود الذي جاء لاستعباد كل شعوب العالم، ومن بينها شعوب أفريقيا والشرق العربي. أي وعي سياسي يمكن أن يكون لدى إنسان يسعى للتعاون في تلك السنوات مع الألمان حتى لو كان المبرر لديه هو النضال ضد الإنجليز، الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك. لقد ظلت هذه الأحاديث مجرد شائعات يمكن أن تصدق ويمكن أن ترفض. وقد كان معروفا على أية حال أن السادات قد زج به في السجن. ويمكن أن يفسر ذلك بأنه كان عقابا له لنشاطه المعادي للاحتلال، وأن اتهامه بالتعاون مع النازيين الفاشيين كان للنيل منه والحط من شأنه.
ولكن، ها هو فيلي برانت المستشار الأسبق لجمهورية ألمانيا الاتحادية يصل في عام 1974م في زيارة للقاهرة. وقد جرى استقباله، بطبيعة الحال، أفضل استقبال، كما اعتادوا في مصر دائما باعتبار الألمان أعداء للإنجليز، ومن ثم اعتبارهم حلفاء لحركة التحرر الوطني في مصر. عقد السادات مؤتمرا صحفيا بدأه بإلقاء خطاب، باللغة الألمانية، بعد أن صرح للصحفيين، الذين أخذتهم الدهشة، أنه يفخر بأنه كان يتعاون مع الألمان إبان الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي دفع الإنجليز إلى اعتقاله، وأنه استطاع أن يتعلم اللغة الألمانية أثناء وجوده في السجن! لا أظن أن صراحة السادات هذه قد لاقت إعجابا من جانب براندت، فالرجل كان عدوا للفاشية، وكان يقف على الجانب الآخر من المتاريس إبان الحرب.
تحول آخر مميز للسادات حدث في علاقته بالأمريكيين؛ فبعد وصوله إلى سدة السلطة راح ينهال على الأمريكيين بالشتائم بحدة وحماس. وأشار - وهو على حق في هذا - أن الولايات المتحدة الأمريكية هي في الواقع شريك لإسرائيل في العدوان على الدول العربية، وأن عليها أن تتحمل مسئولية ما قامت به من أعمال إجرامية.
لم يستوجب الأمر سوى أن يقوم نيكسون بالكتابة إلى السادات وبذل الوعود له وإطرائه على نحو لبق، وغرس بذور الشك عنده تجاه الاتحاد السوفييتي، وسرعان ما بدأ السادات في التغير عن موقفه، في البداية بينه وبين نفسه، ثم بعد ذلك بشكل واضح أمام الجميع. عموما، كان تملقه الذي كان بلا شك يعتبر نفسه واحدا منه. كان السادات يتحدث معي أحيانا بسرور واضح عن تلقيه رسالة دورية من نيكسون ، وعن ردوده بتلك النبرة الحذرة، كما لو كان يريد أن يقول إن هذه المراسلات لا قيمة لها بالنسبة له، وأنه يتحدث معه «ندا لند»، وهلم جرا. من المميز هنا أن السادات لم يطلعني مرة واحدة ولو على نص وحيد من هذه الخطابات، وعادة ما كان يكتفي بذكر بعض عبارات عامة. على أنه فيما بعد وإبان حديثه مع القادة السوفييت كان السادات يشير إلى أنه أطلع السفير السوفييتي على هذه الرسائل، وأنها معروفة بالطبع للقيادة السوفييتية؛ ولهذا فإنه لا يجد ضرورة من أن يكررها ... إلخ.
سرعان ما أحس الأمريكيون بنقطة الضعف هذه لدى رئيس مصر. وإليكم مثالا واحدا. بعد اللقاء الأول بريجينيف ونيكسون في يونيو عام 1972م، أعد رفاقنا في موسكو بيانا باللقاء تم عرضه على السادات. وفي اليوم التالي أرسل نيكسون إلى السادات رسالة خاصة لم تكن تحتوي في حقيقة الأمر على أية معلومات جوهرية. واكتفى نيكسون في رسالته بتعداد القضايا التي جرت مناقشتها في هذا اللقاء، كان ذلك بمثابة نوع من «التقرير الودي» عن اللقاء لا أكثر. والملاحظ في هذه الرسالة أنها لم تأت على ذكر مناقشة الوضع في الشرق الأوسط؛ أي الموضوع الذي كان يهم السادات بالدرجة الأولى، لكنها تضمنت في الوقت نفسه آيات من المديح والإطراء على القادة السوفييت، حتى يتولد انطباع أننا (نحن الأمريكيين) نستطيع، على الأرجح، أن نسوي أمورنا بشكل جيد مع الروس، في الوقت الذي يوحي فيه غياب الحديث عن قضية الشرق الأوسط، أن الروس قد اتفقوا معنا على ألا نعطي اهتماما كبيرا لقضايا الشرق الأوسط. بطبيعة الحال فإن هذه المعلومات كانت تتناقض ووثيقتنا التي جاء فيها أن الجانب السوفييتي يساند المصالح العربية. على أن ذلك خلق لدى السادات انطباعا أضعف؛ لأنها - على أقل تقدير - وصلته متأخرة وفي صورة تقرير معد على نحو جاف، بينما أرسل نيكسون تقريره بنفسه إلى السادات (!) (جدير بالذكر أن سفارتنا كان لديها هاجس تجاه إمكانية أن يتلاعب الأمريكيون بالخصال الشخصية للسادات، الذي كان يولي أهمية كبرى للقاء السوفييتي الأمريكي في مصير منطقة الشرق الأوسط). على الأقل لأنه كان يستشعر بقوة فكرة إمكانية «التآمر» السوفييتي الأمريكي. كان يؤمن بهذه الأكذوبة؛ لأنه كان يرى أن هذا النوع من السلوك الخائن أمر جائز من جانبه، ومن ثم رأى أن هذه الخطوة أمر جائز من جانبنا. ولهذا اقترحت السفارة مجيء أحد ما من الذين شاركوا في المباحثات في موسكو إلى القاهرة، يكون باستطاعته أن يبلغ السادات بما حدث بالضبط بوصفة شاهدا مباشرا، إن جاز القول، ويطلعه ب «تفاصيل» المباحثات، التي لم تول موسكو اهتماما بها.
كان السادات يشعر بالإطراء عندما يتوجه إليه أرنو دي بورتشجيريف رئيس مجلة «نيوزويك» الأمريكية، رجل المخابرات المشهور، والذي لم يكن إطلاقا من المدافعين عن المصالح العربية، يطلب إجراء مقابلة صحفية معه. وقد أجرى السادات العديد من مثل هذه المقابلات مع بورتشجيريف، ولكنه لم يجر مقابلة واحدة مع أي صحفي سوفييتي.
وعندما أقام وليم روجرز وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بزيارة للقاهرة في مايو 1971م، أعجب السادات به كثيرا، وفي خطبه التالية، بما فيها تلك التي ألقاها أمام جمع غفير سواء في مجلس الأمة أو أمام اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، كان كثيرا ما يطلق على روجرز، بنوع من التبسط، اسم بيل تدليلا. «قلت لبيل ...» «قال لي بيل ...» وهلم جرا من العبارات المماثلة التي راح السادات يستخدمها في خطبه.
كان السادات يحب استقبال السيناتورات الأمريكيين حتى أكثرهم رجعية، وأثناء لقاءاته بهم لم يكن بطبيعة الحال يوجه أمامهم سهام النقد الحادة إلى السياسة الأمريكية التي كان يلجأ إليها في خطبه أمام المصريين. وهكذا ظل جميع الأمريكيين راضين عن الحديث مع السادات؛ فقد وجدوا فيه - على حد قولهم - متحدثا «ذكيا». وليت الأمر اقتصر على السيناتورات! فقد دأب السادات على استقبال صغار موظفي الخارجية الأمريكية، في الوقت الذي لم يتسن للعديد من السفراء الأجانب، ومن بينهم سفراء لدول كانت تؤيد مصر تأييدا كاملا، أن يلتقوا على مدى وجودهم لسنوات طويلة في مصر بالسادات، على الرغم من أنه كانت لديهم تكليفات من حكوماتهم. كما كان السادات لا يميل إلى استقبال سفراء الدول الاشتراكية على وجه الخصوص، بل إنه كان يحدد «أوقات» عدم رضاه بالنسبة لي فلا يستقبلني فيها.
من بين الذين جاءوا إلى مصر واستقبلهم السادات شخص نكرة يدعى ستيرنر يعمل رئيسا لقسم الشئون المصرية في وزارة الخارجية الأمريكية، وهو من النوع المستفز الوقح يميل بشدة إلى إسرائيل. وقد شرح السادات أن ستيرنر هو الذي كان يرافقه في زيارته للولايات المتحدة عندما كان رئيسا لمجلس الأمة! زاعما أنه معرفة قديمة لا أكثر. وبالطبع كان آل روكفلر يزورون السادات كثيرا خفية أو جهارا.
Página desconocida