Egipto desde Nasser hasta la guerra de octubre
مصر من ناصر إلى حرب
Géneros
إن القرية بتقاليدها الريفية المسترشدة بالإسلام، والتي تعيش حياتها وفقا لتعاليم الإسلام على مستوى الدولة كلها هي - بالنسبة للسادات - المثال «الاشتراكي»، هي الاشتراكية المصرية في فهمه، أو إن شئنا الدقة، على النحو الذي يريده.
إن السادات، بقدر استطاعتي الحكم عليه من خلال خطبه وأحاديثي الشخصية معه، كان لديه تصور مبهم للغاية في القضايا الاقتصادية، وفي هذا الشأن كان باستطاعة أي من رؤساء الوزراء أو من وزراء الاقتصاد أن يخدعه فيها بسهولة. كان السادات يولي ثقته لأي مقولة أو لأي رقم، إذا كان مصدره في ذلك شخصا أهلا للثقة في اللحظة الراهنة. كان باستطاعته، على سبيل المثال، أن يؤكد للأمريكيين بهدوء ودون أن يبدو عليه أي قدر من الارتباك أن رواتب المستشارين العسكريين السوفييت تكلفه مبالغ باهظة، وأن عليه أن يدفع هذه الرواتب بالعملة الصعبة! بالمناسبة، لم تدفع مصر أي رواتب للسوفييت، ناهيك عن أنه لم تكن هناك أي حسابات مع مصر يتم التعامل فيها بالعملة الصعبة.
ذات يوم وإبان حديثي مع الرئيس السادات، وكان في حالة مزاجية رائعة، وهو أمر نادر الحدوث، طرحت عليه سؤالا حول تصوره لتطوير الزراعة المصرية في المرحلة المقبلة؛ ففي مصر لا توجد أراض فائضة، بمعنى احتياطي من الأراضي الزراعية يمكن استغلاله؛ فالسكان يعيشون على شريط ضيق من الأراضي يصل في بعض التقديرات إلى 3٪ من المساحة الإجمالية للبلاد، بينما تمثل باقي الأراضي صحاري قاحلة يمكن استصلاح بعضها. وتشير الإحصاءات أيضا إلى أنه حتى لو جرى ري كل هذه الأراضي القابلة للاستصلاح وجعلها أراضي خصبة، فإن الأراضي المصرية المأهولة والمستخدمة لن تزيد على 4٪ من إجمالي مساحة البلاد.
باختصار، زيادة الإنتاج الزراعي بفضل زيادة الأراضي المستصلحة محدودة بشكل واضح، وعلاوة على ذلك، فإن الزراعة هي التي تمثل الجزء الأكبر في الاقتصاد القومي للبلاد؛ ففي مصر لا توجد ثروات طبيعية، ومن ثم فإن ارتباطها بالاستيراد من الخارج كبير، وهي مضطرة لأن تسوي حساباتها من منتجاتها الزراعية الخام أو المصنعة. من هنا يتضح لنا الدور الهائل للزراعة، التي يعمل فيها بالمناسبة غالبية السكان. إن تنمية الزراعة ليست قضية اقتصادية فحسب ، وإنما هي قضية اجتماعية؛ ولهذا فإن زيادة الإنتاج الزراعي والطرق المستخدمة من أجل ذلك سوف يتوقفان لا على الوضع الاقتصادي للبلاد إجمالا، ولا على رفاهية السكان كلهم فحسب، وإنما على التركيب الطبقي للمجتمع المصري، ومن ثم على الشكل الاجتماعي للبلاد وعلى طابع العلاقات الاجتماعية فيها.
حاولت أن أطرح كل هذه المشكلات على السادات وكنت شديد الاهتمام بالاستماع إلى رأيه. وهنا انعكس على وجهه شعور واضح بالملل، وأجاب بأن علينا أن نفكر في هذه القضايا «بعد النصر».
حاولت مرة أخرى أن أطور فكرتي في اتجاه مختلف بعض الشيء؛ إذ كنت أرى أنه في سياق الطريقة الحالية للإنتاج سرعان ما تصبح المنتجات الزراعية غير كافية لإشباع حاجات الغذاء والتصنيع والتصدير، ناهيك عن أن مساحة الأراضي القابلة للزراعة محدودة أساسا. بالطبع فإن جزءا من الزيادة في الإنتاج الزراعي يمكن الحصول عليه من خلال تكثيف الإنتاج، سواء باستخدام الأسمدة والبذور الجيدة، إلى جانب استخدام الميكنة الزراعية وما إلى ذلك من وسائل. ولكن حتى هذه الأمور لها حدود قصوى. سرعان ما أصبحت قضية زيادة الإنتاج وثيقة الصلة بنظام استغلال الأراضي وخاصة الأراضي الصغيرة نسبيا؛ فمن المعروف أن فعالية الإنتاج تكون أكبر في الأراضي الشاسعة، حيث يمكن استخدام الميكنة الزراعية. إذن كيف يمكن التعامل مع الملكيات الصغيرة؟ ستظهر على الفور مسألة ضم الأراضي، وهنا تختلف الوسيلة؛ فإما يتم زيادة الملكيات الصغيرة الخاصة على حساب شراء أراضي الآخرين؛ أي بإفقار البعض وإثراء البعض الآخر، وإما بضم الأراضي بالإرادة الطوعية للفلاحين في إطار نظام المزارع الجماعية. ما الطريق الذي ستسير فيه القرية المصرية؟
اعترف السادات صراحة أنه لم يفكر من قبل في هذا النوع من القضايا. الأمر الوحيد الذي يؤمن به هو حكمة الفلاحين، الذين هم ملح الأرض، والقادرون على اختيار أفضل الحلول دائما بأنفسهم.
لم يكن إعلان السادات عن بناء الاشتراكية في مصر سوى كلام يستخدمه في المناسبات. وكثيرا ما تحدث السادات في حضوري عن أنه لا يعترف إلا بالاشتراكية العلمية، وأنه لا يوجد هناك ما يسمى ب «الاشتراكية الإسلامية» أو «الاشتراكية العربية». كان السادات يؤكد لأنصاره في خطبه العلنية أن «المجتمع الجديد» (كان يخشى أن يسميه بالاشتراكي) يجب أن يبنى على أساس «العلم والإيمان»، لم يكن يلقي بالا لما في هاتين الكلمتين من تناقض في المعنى. لا توجد في اللغة العربية كلمة «اشتراكية» الأجنبية، التي تحمل مفهوما علميا خالصا، ومن هنا أمميتها. أما العرب فيعلنون أن
Socialism
هي «الاشتراكية»، وأن الكلمة تعني «تكافؤ الفرص» و«المساواة» لا أكثر. ومن هنا فإننا عندما نتحدث عن الاشتراكية نعني شيئا محددا، بينما تعني الكلمة بالنسبة للعرب شيئا آخر. وعندما يتحدث العرب عن مجتمع ما يسود فيه تكافؤ الفرص (والذي يعني بطبيعة الحال الاشتراكية)، فإن علينا عند ترجمتها إلى أي لغة أخرى، سواء الروسية أو الإنجليزية أو غيرها، أن ندرك أن إخواننا العرب يتحدثون عن «الاشتراكية»، ونحن ندرك كل ذلك كما لو كنا نتحدث عن الشيء ذاته وعن المفاهيم ذاتها. وإن كنا في الواقع نتحدث عن شيئين مختلفين. كيف يمكن بناء الاشتراكية إذا كان بنيتهم بناؤها بمساعدة العقيدة الدينية؟ إن الدين هو العدو الأول والأمكر للاشتراكية، وهو يخرج علاقات الملكية بعيدا عن التحليل، ويفصل بين علاقات الناس في سياق عملية الإنتاج. كيف يمكن أن تكون هناك اشتراكية إذا لم تتعامل مع قضية علاقة الملكية الخاصة بوسائل الإنتاج؟
Página desconocida