Egipto desde Nasser hasta la guerra de octubre
مصر من ناصر إلى حرب
Géneros
في تلك الفترة، راحت وسائل الإعلام في كل مكان تكيل آيات المديح والثناء لكيسينجر على وساطته الناجحة، بل إنها عقدت مقارنة بينه وبين ميتيرنيخ. ويبدو أن ذلك أعجبه، وأن اللقاء مع السفير الروسي قد تم إعداده لمجرد الاستعراض، وكرسالة للصحافة لخلق انطباع بأن هناك «عملا مشتركا».
في لقائي معه، لم يذكر كيسينجر شيئا عن مباحثاته مع المصريين. لم يقلع «ميتيرنيخ زماننا» عن عادته غير الدبلوماسية في تسليك أسنانه بإصبعه بعد تناول الطعام، وانهمك في التحدث بشكل عام حول ضرورة التعاون السوفييتي الأمريكي في الشرق الأوسط والتنسيق طبقا للاتفاقات، وهلم جرا. انتظرت حتى انتهى من حديثه ليمسح إصبعه ثم سألته: كيف يمكن الجمع بين هذه الأفكار الصحيحة واستبدال «اتفاق الكيلو 101»، الذي أعطى عمليا إسرائيل حل كل القضايا من جانب واحد، بقرارات الأمم المتحدة التي جرى إعدادها بالتشاور بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة خاصة القرارين 338 و339. أين التعاون هنا مع الاتحاد السوفييتي؟ وأين أهميته التي تحدث عنها للتو وزير الخارجية؟ وعموما ما «اتفاق الكيلو 101» هذا؟
توقف كيسينجر عن لعق إصبعه ونظر باهتمام إلي، ثم راح يتبادل النظر مع مساعده سيسكو الذي كان حاضرا اللقاء ثم .. قال مراوغا وهو يشير بيده: «كل هذا من ابتكار سيسكو .. اسأله هو، أما أنا فلا أفقه في هذه الأمور شيئا.» وهنا أغمض سيسكو عينيه من فرط السرور.
كان علي أن أعمل ليل نهار في الأيام التي تلت زيارة كيسينجر في الشرق الأوسط، والذي تقرر أن يشارك فيه ممثلون عن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وقد تم اختياري رئيسا لوفد الاتحاد السوفييتي.
4
لم تكن الدعوة لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط بالأمر الهين. وقد اكتسب كل موضوع من موضوعات المؤتمر: المباحثات، المشاركون، جدول أعمال المؤتمر وتوقيتاته مغزي سياسيا مهما ومحددا تماما. وكانت القضايا المزمع مناقشتها في المؤتمر قد تم إعدادها في سياق المفاوضات التي جرت بين موسكو وواشنطن بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، وبعدها تم عرض الاتفاق الذي تم التوصل إليه على القاهرة للتنسيق مع المصريين. وفي هذا المجال كان على السفيرين السوفييتي والأمريكي أن يعرضا موقفهما المشترك على وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي، وبعدها يدافعان، بطبيعة الحال، عن هذا الموقف المشترك، على الرغم من أنه يعد نتيجة للحل الوسط الذي توصل إليه الجانبان السوفييتي والأمريكي.
كثيرا ما كان الجانب الأمريكي يقوم بإبلاغ الجانب المصري بآراء لم يتم الاتفاق عليها بناء على المفاوضات السوفييتية الأمريكية، وإنما بالصيغة الأولية التي طرحت علينا في موسكو أو واشنطن والتي كنا نرفضها. كان المصريون يوافقون الأمريكيين، عندما كان هؤلاء يطرحون علينا إعادة النظر في الموقف الذي تمت الموافقة عليه بزعم أنها «طلبات» المصريين. كان علينا أن نفضح هذه الألاعيب الأمريكية. لا يطيب لي هنا أن أذكر أن وزير الخارجية الجديد كان يعلق في بيته صورة فوتوغرافية كبيرة له مع نيكسون في البيت الأبيض، ويبدو فيها راضيا عن نفسه كل الرضا، بعد أن تعاون بشكل واضح مع الأمريكيين، وليس معنا، في الإعداد للمؤتمر. وكان خنوعه لهم بلا حدود. كم كان الأمر مختلفا عندما كانت العمليات الحربية لا تزال مشتعلة منذ فترة غير بعيدة!
كان موقف المصريين مدهشا، عندما بدأ الحديث عن مشاركة الفلسطينيين في المؤتمر. ومن المعروف أن مصير الشعب العربي الفلسطيني، الذي فقد وطنه قسرا، هو جوهر الصراع في الشرق الأوسط. وقد سمعت من العرب مقولة تقول: «لا يمكن للعرب أن يحاربوا بدون مصر، ولا يمكن للسلام أن يسود بدون الفلسطينيين.» كان الاتحاد السوفييتي ينطلق دائما من أن الفلسطينيين ينبغي حتما أن يشاركوا في المؤتمر. أما إسرائيل فكانت تتعمد أن تغلق عينيها عن رؤية وجود الشعب العربي الفلسطيني. وبطبيعة الحال كانت تعارض مشاركته في المؤتمر، بينما راحت الولايات المتحدة الأمريكية تؤيدها في هذا الصدد. لم تكن الدول العربية حتى هذا الوقت قد اتخذت قرارا بشأن مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وقد أشير في الوثيقة التي جاءت نتيجة للمفاوضات إلى ضرورة إشراك ممثلي الشعب الفلسطيني في المؤتمر في الوقت المناسب. كان المصريون يشاركوننا الرأي في الموافقة، إلا أنهم بدءوا، تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، في المطالبة بصيغة أخرى اتفقوا بشأنها، كما أخبرونا، مع الأمريكيين: «مسألة وقت. مشاركة الفلسطينيين في المؤتمر سوف يتم دراستها في المرحلة الأولى من أعمال المؤتمر.» وقد قبل الفلسطينيون هذه الصيغة، ومن ثم قبلناها نحن أيضا، وهو ما أثار قلق الأمريكيين.
ذات يوم دعاني إسماعيل فهمي للقائه، وعندما ذهبت إليه وجدت السفير الأمريكي إيلتس قد سبقني إليه. كان أمرا خاليا تماما من اللياقة من جانب إسماعيل فهمي الذي لم يخبرني بذلك، والأهم أنه لم يطلب مني مسبقا موافقتي على هذا اللقاء الثلاثي.
ناولني إسماعيل فهمي ورقة نسخ نصها على آلة كاتبة، كما لاحظت، في السفارة الأمريكية، بعد أن قال لي إن هذه هي الصيغة الجديدة التي وافقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية. قرأت الورقة وكانت تتضمن «أن مسألة مشاركة الفلسطينيين سوف يتم مناقشتها في المرحلة الأولى من أعمال المؤتمر.» كانت صيغة مختلفة، محتوى آخر، أغنية أخرى. كانت الصياغات القديمة تتحدث عن مشاركة الفلسطينيين، كحقيقة واقعة لا يتطرق إليها الشك. أما الصيغة الجديدة فكانت مبهمة تماما، لا يعرف منها هل سيكون للفلسطينيين الحق في المشاركة أم لا (فيما بعد ظهرت صيغة أخرى أقل تمييزا، لم يذكر فيها الفلسطينيون عموما: «مسألة مشاركة ممثلين عن بلدان المنطقة سوف تبحث في المرحلة الأولى من أعمال المؤتمر»).
Página desconocida