Egipto desde Nasser hasta la guerra de octubre
مصر من ناصر إلى حرب
Géneros
2
أسرعت عائدا إلى السفارة حيث وصلتها ظهرا تقريبا. وبعد أن تعاملت مع المعلومات العاجلة، قررت أن أتناول غداء خفيفا متوقعا أن أوقات الطعام والنوم سوف تتضاءل فيما بعد. وفي الثانية ظهرا تقريبا دق جرس الهاتف المنزلي العادي. طلبت من السكرتيرة فافا جوليزادي أن ترد، فإذا بها تعود لتخبرني: «الرئيس يريد التحدث معك.» راودني الشك. الرئيس يطلبني على الهاتف العادي؟ أمسكت بالسماعة فإذا بصوت السادات يأتيني متهللا: «سيادة السفير! .. نحن الآن على الضفة الشرقية للقناة! والعلم المصري يرفرف عاليا على الضفة الشرقية! لقد عبرنا القناة!»
هكذا بدأت حرب أكتوبر 1973م، وهي حرب تستحق وصفا مستقلا وتحليلا تفصيليا وافيا، بما في ذلك تلك الأحداث كما رآها شهود العيان، الذين كنت من بينهم ومعي العاملون بالسفارة السوفييتية في القاهرة. ونظرا لأن ما نشر هنا في الوقت الحالي لا يسمح بذلك، فسوف أكتفي ببعض الجوانب العامة، التي بإمكانها، من وجهة نظري، أن تلقي الضوء على نحو ساطع على ما وقع من أحداث، أو تعرض حقيقة عدد من الظواهر تم تزييفها بعناية فيما بعد على يد الأمريكيين أو على يد السادات نفسه.
على مدى شهر أكتوبر ومطلع شهر نوفمبر، تسنى لي مقابلة الرئيس السادات عمليا مرة كل أسبوع، وأحيانا عدة مرات في الأسبوع الواحد. كما تعددت أحاديثي معه بواسطة هاتف خاص مغلق بيننا، تم تركيبه بأمر من السادات من طراز «بي. بي. إكس». كما استمر الاتصال بيني وبين موسكو عبر خطوط الهاتف والراديو. اتخذت السفارة آنذاك كل إجراءات التعتيم والتمويه الصارمة، وأعدت مخبأ محصنا، كما تم تخزين احتياط كاف من المواد الغذائية ومياه الشرب وبطاريات الإضاءة والشموع والكبريت والأدوات المكتبية والأدوية والمهام الطبية. وبمساعدة من تبقى من النساء تم تنظيم وجبات جماعية في مبنى المدرسة. باختصار، اتخذت حياتنا طابع المعسكرات. كنا ننام من ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم.
شهدت الأيام الأولى للحرب، كما هو معروف، نجاحا مطردا لصالح المصريين؛ ففي خلال عدة ساعات تمكنوا من عبور قناة السويس على امتدادها، ليتمركزوا على الضفة الشرقية لها. كانت الخطة الموضوعة تقضي بأن يستغرق هذا الجزء من العملية لا أقل من يوم بأكمله، وتفترض أن تصل خسائر القوات المصرية المشاركة على نحو مباشر في عبور القناة إلى ثلث هذه القوات. على أن الخسائر تراوحت بالفعل ما بين 10 إلى 15٪. باء الهجوم المضاد الذي شنته القوات الإسرائيلية بالفشل، كما أن قوة المقاومة لدى الإسرائيليين لم تكن ذات أهمية. ظهرت منظومة الصواريخ المضادة للطائرات باعتبارها قوة فعالة مثلت حاجزا منيعا تهاوت أمامه الطائرات الإسرائيلية، كما شكلت هذه المنظومة «مظلة» واقية وفرت الحماية للقوات المصرية المقاتلة.
وعلى الأرض أظهرت الصواريخ المضادة للدبابات، المعروفة باسم «ماليوتكا»،
3
كفاءة عالية ودقة متناهية في إصابة الهدف، وهو ما أنزل بالإسرائيليين على الفور خسائر فادحة. كما أثبتت الأسلحة والمعدات الأوتوماتيكية الخفيفة والمعدات ذات الحركة الذاتية التي كانت ضمن تسليح الجيش المصري قدرة فائقة في ظروف القتال في الصحراء المكشوفة.
كان السادات في أوج سعادته من جراء الكفاءة الرفيعة للأسلحة، وكان دائما في أحاديثه معي يوجه الشكر للاتحاد السوفييتي بعبارات جزلة. وقد قال لي ذات مرة وقد أخذه الحماس: «سيأتي اليوم الذي أتحدث فيه عن المساعدة العظيمة التي قدمها لنا الأشقاء السوفييت!» لم يكن الأمر متوقفا على مجرد الكفاءة العالية للمعدات العسكرية السوفييتية التي أثبتت تفوقها على نظيرتها الأمريكية الموجودة في يد الإسرائيليين، وإنما بتأثير الجهد الطويل الدءوب الذي بذله المستشارون العسكريون السوفييت، وإلى جوارهم الخبراء الفنيون المختصون الذين عملوا على النهوض بالجيش المصري من كبوته التي مني بها في عام 1967م، وفي إعادة الثقة له ثم تدريبه تدريبا رفيعا تحت شعار «التدريب الشاق يجعل المعركة سهلة». وهو ما حدث بالفعل دون أدنى شك. لكن أمورا كثيرة كانت مثارا للحيرة. كيف عجز الإسرائيليون، وهم يملكون جهاز استخبارات ذي كفاءة عالية، عن ملاحظة تمركز القوات المصرية عند قناة السويس (لن أتحدث هنا عن المخابرات الأمريكية وما تملكه من أجهزة فنية متطورة)، وهل كانت العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المسلحة المصرية والسورية مفاجئة إلى هذا الحد بالنسبة للقوات المسلحة الإسرائيلية؟ لماذا كانت القوات الأساسية الإسرائيلية متمركزة في الشمال بالقرب من الحدود السورية، بينما كانت القوة الرئيسية العربية - القوات المسلحة المصرية - مرابطة عند الجنوب؟ لماذا رفض السادات دخول الملك حسين ملك الأردن المعركة، وكان من الممكن أن تقوم القوات المسلحة الأردنية بتنفيذ مهمة غاية في الأهمية؛ وهي قطع الطريق أمام القوات الإسرائيلية القادمة من الشمال، من الجبهة السورية، متجهة إلى الجنوب، إلى الجبهة المصرية؟ لماذا لم تبد القوات الإسرائيلية المرابطة شرق قناة السويس مقاومة حاسمة في مواجهة الهجوم المصري، بل وصدرت لها الأوامر بعد فترة قصيرة بالانسحاب وبحسب التقديرات التي يراها قادتها؟ كيف يمكن تفسير، على سبيل المثال، ما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية في الثاني من أكتوبر عن إعلان حالة التأهب القصوى في الجيشين الثاني والثالث اللذين عبرا قناة السويس؟ ألم تنتبه وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى ذلك؟ مثلما لم تنتبه إلى عملية الإخلاء الضخمة للنساء والأطفال الأجانب من مصر؟ إن العديد من الأسئلة المتعلقة بحرب أكتوبر لا تزال بلا إجابة حتى الآن، ومن ثم فإنه ليس من قبيل المصادفة أن كثيرا من الباحثين في شئون حرب أكتوبر قد طرحوا سؤالا يقول: «هل كانت العمليات العسكرية التي جرت بين مصر وإسرائيل «مخططا» لها مسبقا؟» إذا كان الرد بالإيجاب لوجدنا عندئذ كل الإجابات المنطقية للأسئلة التي طرحناها، وأصبحت المحصلة السياسية النهائية للحرب هي ما حدث مؤخرا - إحباط مؤتمر جينيف الدولي للسلام ومعاهدة «كامب ديفيد» وغيرها - أمرا أكثر وضوحا.
لقد تسللت هذه الأفكار، بطبيعة الحال، إلى رأسي . لكن الأمر العاجل في هذا الوقت كان مختلفا تماما. لقد راحت العمليات العسكرية تتصاعد على نحو جاد، وفي لحظات الحرب كان من المهم أن تكون هذه العمليات واضحة أكثر من أي وقت آخر.
Página desconocida