Egipto desde Nasser hasta la guerra de octubre
مصر من ناصر إلى حرب
Géneros
كان السادات يرى في نفسه خبيرا عسكريا أيضا، ولكنه كثيرا ما كان يستخدم المعلومات الخاطئة التي كان جنرالاته يمدونه بها.
لم تتوقف حدة الخلافات بين السادات والقيادات الأخرى على القضايا الداخلية بقدر ما احتد حول القضايا الخارجية؛ فعلى أثر توليه منصب الرئاسة طرح السادات شعار «ليكن عام 1971م عاما للحسم». وقد فعل ذلك بصورة منفردة ودون تشاور مع أي من القيادات الأخرى. ويعني الحسم هنا إعادة شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها إسرائيل نتيجة لعدوان 1967م، إلى مصر. وحيث إن الإسرائيليين لم ولن يفكروا في إعادة الأراضي التي احتلوها طواعية؛ فقد كان السبيل الوحيد هو إعلان الحرب على إسرائيل.
واقع الأمر أن ذلك كان بمثابة إعلان مسبق من السادات أن مصر ستخوض الحرب ضد إسرائيل عام 1971م. كان السادات يسعى من وراء هذا الشعار إلى ابتزازنا أيضا: «لقد أعلنت هذا الشعار وعلى الاتحاد السوفييتي أن يساعدني في تحقيقه.» وعندما قلنا له: «إن الاتحاد السوفييتي صديق لمصر، ولكننا كنا نود لو أن الرئيس قاسمنا الخطط المحددة المتعلقة (بعام الحسم)، وهل تم وضع كل شيء في الحسبان؟ وما مستوى القدرات القتالية الذي وصلت إليه القوات المسلحة المصرية؟ وما إلى ذلك.» كان السادات يجيب في ضيق وإيجاز: «هذا مجرد شعار سياسي، أما باقي القضايا الأخرى فهي من اختصاص العسكريين المحترفين.» من المستحيل أن نصف هذا التصرف من جانب الرئيس بالتصرف الجاد. وفي هذا السياق، قال لي هيكل في تلك الأيام: لم يحدث مطلقا في التاريخ أن دولة أعلنت أنها ستشن حربا على دولة أخرى في العام الفلاني. إما أن هذا الأمر من قبيل الهزل، وإما أنه جريمة. أما المصريون فقد صموا آذانهم عن الأمر؛ فكم من شعارات أطلقت!
لقد بلغ الخلاف ذروته بين القيادات المصرية عندما تطرق الأمر إلى العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تم بالفعل طرد الإمبريالية الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط في عهد الرئيس عبد الناصر. أما بعد رحيله، فأصبح معروفا للجميع هذه الاتصالات التي يجريها السادات مع المسئولين الأمريكيين دون أن يطلع بها قيادة البلاد الآخرين. كانت هذه الاتصالات تتم بمساعدة عملاء المخابرات الأمريكية
CIA
المتسترين وراء لافتة «قسم رعاية المصالح الأمريكية» التابع للسفارة الإسبانية. فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أوكلت رعاية المصالح الأمريكية إلى السفارة الإسبانية، وتم رفع العلم الإسباني فوق مبنى السفارة الأمريكية، حيث راحت مجموعة من الأمريكيين، محسوبين على كوادر السفارة الإسبانية، تعمل بداخلها. لكن الأسرار لا تختفي طويلا؛ فقد أخبرني بذلك بعض القادة المصريين في سياق لقاءات العمل معهم، وقد اعتراهم إحساس بالخوف عن إمكانية عودة الأمريكيين إلى الشرق الأوسط مجددا. وكان أكثر ما يخيفهم هو خبر الزيارة المرتقبة لروجرز وزير خارجية أمريكا إلى القاهرة. كان من الواضح أنهم يربطون بين هذه «المبادرة» وبين حدوث تحول ما في نهج السادات. وعند لقاءاتي بالرئيس كنت أذكر له ، بطبيعة الحال، ما دار بيني وبين القيادات المصرية الأخرى. وكان السادات يسارع بالقول: «أعلم، أعلم، لقد أحاطوني علما بذلك.» كان علي أن أتوخى الحذر وقد استشعرت وجود خلافات على مستوى القيادة في البلاد. وفي نهاية لقاء جرى بيني وبين السادات في شهر مارس، وربما في شهر أبريل عام 1971م، سألت السادات على نحو يبدو عارضا: «قل لي من فضلك من هم أفضل أصدقائك الذين يمكنني التحدث معهم بصراحة تامة؟» فأجاب السادات قائلا: «محمد فوزي (وزير الحربية)، شعراوي جمعة، سامي شرف» (وكان قبل ذلك يذكر علي صبري أيضا). وقد سألني بدوره: «ولماذا تسألني يا سيادة السفير؟» أجبت: «أردت ببساطة أن أكون على ثقة فيمن أتعامل معهم.» كان السادات - بالمناسبة - يرسل في هذه الفترة إلى موسكو علي صبري ومحمد فوزي وشعراوي جمعة وسامي شرف لإجراء مباحثات مهمة هناك، مقدما إياهم كل مرة للقيادة السوفييتية باعتبارهم أصدقاءه المخلصين.
عندما وصل روجرز إلى القاهرة أصبح من الواضح أن السادات قد تعمد أن يجري معه، على نحو استعراضي، محادثات منفصلة؛ مما اضطر وزير خارجية مصر آنذاك محمود رياض إلى الجلوس ما يقرب من ساعتين في غرفة جانبية. ومن القاهرة توجه روجرز رأسا إلى تل أبيب، بينما وصل منها في نفس الوقت إلى القاهرة سيسكو نائب وزير الخارجية الأمريكية وبصحبته موظف صغير في الخارجية الأمريكية يدعى ستيرز، وقد التقى بهما السادات وعلى انفراد أيضا. وقد نالت صيحة الدهشة التي أطلقها روجرز بعد أن أعلن الرئيس السادات موقفه من قضايا الشرق الأوسط شهرة واسعة والتي قال فيها: «لا أستطيع أن أطلب المزيد من مصر!» وقد حملت هذه العبارة معني ملتبسا.
كان السادات يدرك أن «مغازلته» للأمريكيين لا يمكن أن تمر مرور الكرام؛ فقد طرح علي السادات عدة مرات أثناء أحاديثه معي اقتراحا بعقد اتفاقية صداقة وتعاون بين الاتحاد السوفييتي ومصر، وطلب مني أن أبلغ موسكو بهذا الاقتراح (بالمناسبة فقد ظهرت هذه الفكرة للمرة الأولى في عهد الرئيس عبد الناصر). على أن نبرة الرئيس آنذاك كانت تشي بأنه لا يعقد آمالا كبارا على الإطلاق على قبول اقتراحه، وأنه لا يولي أهمية لقبول اقتراحه في ظل الوضع الراهن آنذاك. كان من الواضح أن الرجل يبني حساباته على الرفض؛ إذ كان الرفض يمثل له - لسبب ما - أهمية ما .
في الحادي عشر من مايو 1971م، كنت في ضيافة السادات في مقر إقامته في الجيزة القائم على ضفة النيل بالقرب من سفارتنا. مكثت هناك لساعة متأخرة من الليل. رحنا نتبادل الحديث، بينما راحت رجال الرئيس المحببة لديه تركض حولنا وتقفز على الأريكة حيث نجلس متلمسة أطراف أقدامنا. كان السادات يقوم بإبعادها بكسل واضح وقد راح يشتكي من المصاعب والإجهاد اللذين يعاني منهما، قائلا لي إنه يحب الجلوس وحيدا في الظلام ليلا بالقرب من المياه مستسلما للتفكير. تطرقنا للحديث إلى موضوعات عديدة. عند نهاية اللقاء، طرحت عليه مرة أخرى سؤالي السابق حول أصدقائه الثقات، فابتسم قائلا: «يمكنك أن تضع ثقتك، مثلي تماما، في شعراوي جمعة، ومحمد فوزي وسامي شرف. هؤلاء «دائرتي المقربة».» حدث ذلك في الحادي عشر من مايو.
في الثالث عشر من مايو، وبناء على اتفاق مسبق مع سفير جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) مارتين بيرباخ، قمنا بتنظيم حفل مشترك تأكيدا على الصداقة بين السفارتين. أقيم الحفل في سفارة ألمانيا الديمقراطية. كان الجو حارا وخانقا، وقد بذل الرفاق الألمان جل اهتمامهم لعمل برنامج جيد يتسم بالمرح. على أن السفير لم يستطع أن يفلت من أفكاره وخاصة أنه كان يستشعر (وكان هناك ما يوحي بذلك) أن أحداثا جساما على وشك الوقوع، ولكن ملامحها لم تتضح كاملة بعد.
Página desconocida