Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Géneros
11
ولخص اللورد كرومر رأيه في رياض باشا في خطبته الوداعية سنة 1907، حيث قال بعد ذكره نوبار باشا:
وأذكر أيضا اسم رجل آخر من أرباب السياسة، وأنا مسرور بمشاهدته الآن بيننا، ألا إنه صديقي القديم المؤتمن صاحب الدولة رياض باشا. إننا أيها السادة في زمان لا يحتاج فيه الشاب المصري الذي يتظاهر بمظهر المصلحين إلى شجاعة تذكر، ولكن ما هو كائن الآن لم يكن كذلك طول الزمان. كان (لإسماعيل) باشا - رحمه الله - طرق عنيفة في معاملة الذين لا يطأطئون الرءوس أمامه، ولا يعنون لهيبته، ومع ذلك وقف رياض باشا منذ ثلاثين سنة، واعترض بكل جرأة على سوء الإدارة، وأقام الحجة على فساد الأحكام، الذي كان متغلبا على مصر في تلك الأيام، وعلق الجرس بعنق الهر، فأعجبت بشجاعته هذه حينئذ. وكثيرا ما وقع بيني وبين صديقي ورصيفي القديم خلاف بعد ذلك، ولكني لم أكف قط عن النظر إليه بعين المحبة التي تستحقها صفاته العبقرية.
12
قال صاحبا المقتطف: «وحقيق بلورد كرومر أن يقول هذا القول عن رياض باشا، لأن رياض باشا كان يثق به ثقة لا يخامرها ريب. قال اللورد كرومر في كتابه «مصر الحديثة» إن شركة إنجليزية تألفت لتشتري سكك الحديد من الحكومة المصرية في وزارة رياض باشا الأولى، ولما عرض الأمر على النظار التفتوا إلى لورد كرومر - وكان مراقبا من قبل إنجلترا - ليروا ما هو رأيه فيه، فقال لهم: «إن الأمر في يدكم أنتم، فإذا كنتم ترفضون البيع، فأنا أوافقكم على الرفض، وإذا كنتم تقبلون به، فأنا أبذل جهدي حتى لا تغبنوا في الثمن.» فقر قرارهم على رفض البيع، وبعد أيام طلب منه أن يفض خلافا بين الحكومة المصرية والخواجات جرنفلد الذين أنشأوا مرفأ الإسكندرية، وكان لا بد من أن يوقع رياض باشا شروط الحل التي وضعها لورد كرومر فأخذها ومضى بها إليه وهو لا يصدق أنه يستطيع أن يوقعها في ذلك اليوم؛ إذ لا بد من النظر فيها. أما رياض باشا، فقال له: «هل أنت موافق على هذه الشروط ومقتنع بعدالتها؟» فقال: «نعم.» فأخذها منه، ووقعها من غير أن يقرأها لشدة ثقته به.»
13
ولما ألف لورد كرومر كتابه «مصر الحديثة» تكلم على رياض باشا بإسهاب، فقال: إن حياته السياسية يمكن أن تقسم إلى أربع مدد مختلفة: (الأولى) كناظر وأحد أعضاء لجنة التحقيق في عهد (إسماعيل باشا)، و(الثانية) كرئيس للنظار في عهد (توفيق باشا) مدة المراقبة الإنجليزية الفرنساوية، و(الثالثة) كرئيس للنظار في عهد (توفيق باشا) أيضا، زمن الاحتلال، و(الرابعة) كرئيس للنظار في عهد (عباس الثاني).
ففي المدة الأولى ظهر بأعظم مظهر للعالم؛ فقد سخط مما حل بوطنه من الخراب الذي جره عليه حكم (إسماعيل باشا)، ووقف نصيرا للإصلاح وقفة من لا يهاب أحدا في سبيل الإصلاح، أيام كان المصري لا يجترئ أن يجاهر برأيه ما لم يعرض حياته للخطر، وماله للضياع. ومهما كان الخطأ الذي يمكن أن يكون رياض باشا قد ارتكبه في تقلبه في الوظائف بعد ذلك، فلا يبرح من الأذهان أنه أظهر حينئذ شجاعة عظيمة حقيقية، ونظرا بعيدا في العواقب.
وفي أوائل المدة الثانية؛ أي مدة المراقبة الثنائية، ظهر أيضا كما ظهر في المدة الأولى، ورأى فائدة الذين كانوا يشتغلون معه من الأوروبيين، لأنهم وقفوا بينه وبين أرباب الديون الذين كانوا كالذئاب الجائعة، وكان يعلم من نفسه أنه غير قادر على تخليص الحالة المالية من التشويش الذي كان فيها من غير مساعدة الأوروبيين، وفي أواخر تلك المدة عرضت مشكلة لم يقو على حلها، ولم يكن قد انتبه إلى أهميتها، وهي الثورة العرابية، فجرفه سيلها الجارف.
وفي المدة الثالثة خلف نوبار باشا رئيسا للنظار، وفي أوائل هذه المدة جرت الأمور مجرى حسنا، وهو يمتاز على نوبار باشا بحسن الإدارة، وبمعرفته الأمور الزراعية وأحوال المزارعين، والموظفون المصريون يهابونه هيبة شديدة، ويسهل على المسلمين الخضوع للمسلم المتمسك بدينه، لكنه كان شديد التمسك برأيه، فعسر عليه أن يدير دفة السياسة في زمن الاحتلال، واضطر إلى الاستعفاء.
Página desconocida