336

Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Géneros

وكانت كثرة أشغاله لا تشغله عن الالتفات إلى ما يتعلق بأحوال التلامذة والمعلمين، فكان كل يوم يدخل عليهم بكرة وعشيا، عند غدوه من البيت ورواحه، وأعمل فكره فيما يحصل به نشر المعارف وحسن التربية، فحرر اللائحة التي ذكرناها في حينه، وأنشأ المدارس المركزية والمدارس الابتدائية المثلى، المتقدم بيانها، وأجرى الإصلاحات اللازمة في المكاتب القديمة، فغير بعض مبانيها وأوضاعها الأصلية، ورتب لها النظار والمعلمين وأدوات التعليم ونحو ذلك، وجعل المصاريف اللازمة للمدارس والمكاتب جارية على وجه يستوجب انتظامها، مع خفة المصرف على الديوان.

ثم لأجل تسهيل التعليم على المعلمين والمتعلمين، وصون ما تعلموه من الذهاب، جعل بالمدارس مطبعة حروف ومطبعة حجر لطبع كل ما يلزم من الكتب، وأمشق الخط والرسم وغير ذلك.

واعتنى بأمر تخريج المعلمين الأكفاء، فأنشأ مدرسة دار العلوم، ورتب كيفية تدريب نجباء التلامذة الذين أتموا دروس المدارس العالية على التعليم، وأنشأ دار الكتب الجامعة، ومحلا للآلات الطبيعية، وغيرها من آلات العلوم الرياضية اللازمة للمدارس، فتمكن التلامذة بمعاينتها والتمرن عليها من اجتلاء المعقول في صورة المحسوس.

والتفت لجميع الأوقاف من التكايا والمساجد وغيرها - لا سيما ما كان منها بالأقاليم - بالإصلاح والتجديد، فحفظها وصانها، وأبطل عادة التعمير على طرف الديوان، وجعله يعطى بالمقاولة للمقاولين، بعد النظر فيه من مأموري الأثمان، وباشمهندس الديوان، وعمل الرسم اللازم، وتقدير النفقة الواجبة، ثم قسم أراضي الوقف الواسعة الخربة، كالتي كانت في جهة السيدة زينب وخلافها، على الراغبين يبنون فيها منازل وحوانيت بحكر سنوي يقرر عليهم، ويدفعون مقدار عشر سنين مقدما بصفة تبرع، فكان ذلك سببا لعمارة أحياء كثيرة تجلب ريعا للوقف، استعين به على التنظيم الجاري في المدن لتوسعة الشوارع والحارات وتقويمها.

ومما يجدر الالتفات إليه أن عموم التحسينات والعمارات والإنشاءات العمرانية التي أجريت في القطر في عهد (إسماعيل) إنما أجريت وعلي مبارك باشا ناظر على ديوان الأشغال العمومية، فكان - والحالة هذه - مشغولا بالمصالح الأميرية، وتنفيذ الأغراض الخديوية ليلا ونهارا، حتى لم ير وقتا يلتفت فيه لأحواله الخاصة به، ولا يدخل بيته إلا ليلا، بل وكان يفكر في الليل فيما يفعل بالنهار، لا سيما بعد أن تمت أعمال ترعة السويس، وصمم الخديو على عمل مهرجان يدعو إليه ملوك أوروبا وسلاطينها.

فكان مع النظر في أحوال الدواوين المسلمة إدارتها إلى عهدته، مشغول الفكر، دائم السفر في مصالح أولئك المدعوين، إلى أن انقضى جميع ذلك على أحسن حال، فانهالت عليه النياشين والأوسمة تترى من كل دولة على السواء.

وقد بقيت تلك المصالح تحت يده إلى رمضان سنة 1288، ثم انفصل عن ديوان السكة، ثم عن المدارس والأشغال بعد أيام قلائل، ثم عن الأوقاف بعد مضي قليل من شوال من تلك السنة، بدسيسة من إسماعيل صديق باشا، لخلاف وقع بينهما على إدارة السكة الحديد.

ولكنه لم يقم في بيته إلا نحو شهرين، ثم جعل ناظرا على ديوان المكاتب الأهلية، وأمر بتنظيمه. وفي سنة 1289 أحيل عليه نظر الأوقاف ثانيا، وبعد قليل أحيل عليه نظر ديوان الأشغال، ولم يمض إلا يسير حتى تحولت نظارة هذه الدواوين إلى الأمير حسين كامل، فبقي علي باشا بمعيته بصفة مستشار، وفي سنة 1290 انفصل ديوان الأشغال بنفسه تحت رياسة الأمير المذكور، وجعل علي باشا وكيله. وفي شعبان من السنة عينها جعل عضوا في المجلس المخصوص، ولكنه انفصل عنه بعد قليل بسبب وشايات صديق وأضرابه.

فأقام في بيته، وماهيته جارية، إلى أن جعل في سنة 1291 رئيس أشغال الهندسة بديوان الأشغال، بعد أن ألحق هذا الديوان بديوان الجهادية تحت نظارة الأمير حسين كامل. وفي سنة 1292 جعل مستشارا للأمير توفيق في ديوان الأشغال عينه بعد إلحاقه بوزارة الداخلية، فمستشارا في الديوان عينه، مستقلا، للأمير إبراهيم بن أحمد.

ولما تألفت الوزارة النوبارية الأولى عين فيها علي باشا على ديواني الأوقاف والمعارف، فصرف وسعه في توسيع دائرة التعليم: فشرع في بناء مدارس جديدة، كمدرستي طنطا والمنصورة، وفي تكثير عدد المكاتب، وترتيب المدرسين، وما يلزم للتعليم من أدوات وكتب.

Página desconocida