334

Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Géneros

فلما عاد من ذلك السفر الطويل رفت من وظيفته، وسكن في بيت حقير بالأجرة مع أخ له كان تركه في المدارس عند السفر مع ابن أخ آخر ليتربيا فيها، فطردا منها بعد سفره، ولم يعطف عليهما أحد ممن كان يساعدهم في مدة نظارته، ولم يشفق عليهما إلا سليمان باشا الفرنساوي، فإنه أدخلهما في مكتب كان أنشأه بمصر العتيقة.

فكانت حالة صاحب الترجمة بعد سبع سنين مضت من عوده من بلاد أوروبا، كحاله عند عوده منها، وذهب ما رآه من الأموال والمناصب والوظائف، وجميع ما كسبت يداه، كأنه حلم.

فرغب عن خدمة الحكومة، وعزم على الرجوع إلى بلده، والإقامة بالريف، والاشتغال بالزرع، والتعيش من جانبه.

وبينما هو يتجهز للسفر إلى البلد صدر الأمر بأن جميع الضباط المرفوتين يحضرون بالقلعة للفرز، فحضروا، وكان المنوط بالفرز أدهم باشا، وكان يعرف عليا، فأدخله ضمن المختارين للخدمة، فتعطل عن السفر، وبعد قليل تعين معاونا بديوان الجهادية، وأحيل عليه النظر في القضايا المتأخرة، المتعلقة بالورش والجبخانات وغيرها، ثم ألحق بمستودعي الداخلية، وكان يحال عليه بعض القضايا، ثم دعي إلى وكالة مجلس التجار، فأقام فيه شهرين، وكان سلفه فيه أرمنيا، فأغضبه تعيين علي في هذه الوظيفة، ورمى في علي عند (سعيد) بما رمى، حتى جعل (سعيدا) يغضب على علي، ويبعده عن تلك الوظيفة.

فأقام في بيته نحو ثلاثة أشهر، ثم تعين مفتش هندسة نصف الوجه القبلي، فأقام فيه نحو شهرين، دعاه بعدهما (سعيد باشا) لعمل رسم لاستحكامات أبي حماد.

ولما تمم الرسم، ذهب إليه ليعرضه عليه، فلم يتمكن من مقابلته، لا في طرا ولا في قصر النيل، ولا بعد أن عاد من الإسكندرية، بالرغم من أنه لزم معيته، مدة ثلاثة أشهر وهو بلا ماهية ولا شغل، مع كثرة التنقلات من بلد إلى آخر، حتى كان ذات يوم في الجيزة، فوقع نظر الأمير عليه، فناداه وكلمه، وسأله عما صنع في الرسم، فقدمه له، فنظر فيه قليلا، ثم قال: «أبقه حتى نجد وقتا لإمعان النظر فيه.» ثم لم يلتفت إليه بعد ذلك.

ولكنه ربط لعلي ماهية، وأبقاه في معيته زمنا بلا شغل، إلى أن كانت المعية يوما بمريوط، فطلب علي إلى أدهم باشا تعيينه معلما للضباط وصف الضباط الذين كان قد صدر له الأمر بترتيب معلمين لتعليمهم القراءة والكتابة والحساب، فعينه، فكان يكتب لهم حروف الهجاء بيده، ولعدم ثبات تلامذته في مكان واحد، كان يذهب إليهم في خيامهم، وتارة يكون التعليم بتخطيط الحروف على الأرض، وتارة بالفحم على بلاط المحلات، واستعمل لهم في تعليم مهمات القواعد الهندسية اللازمة للعساكر الحبل والعصا، لا غير.

وكان في أوقات الفراغ يشغل الزمن بالمطالعة، ويكتب تعليقات يستحسنها في ورقات جمعها بعد ذلك، فصارت كتابا مفيدا في فنون شتى مما يحتاج إليه المهندسون.

ثم لما رام (سعيد باشا) التوجه إلى بلاد أوروبا، أمر برفت غالب من كان في معيته، فكان علي من جملة المرفوتين.

وكان قبل ذلك تزوج، واشترى بيتا بدرب الجماميز، وشرع في بنائه وتعميره، فكثر عليه المصرف ولحقه الدين، حتى ضاق ذرعه وتشوش طبعه.

Página desconocida