Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Géneros
وما أقام الجيش في مصوع أياما إلا ووردت إلى راتب باشا إفادة برقية من الخديو تنبئه بأن ثالث أنجاله الأمير حسن، الملازم الأول في فرقة الهوسار الألمانية، نال إجازة من الإمبراطور ولهلم الأول، ليتمكن من الانضمام إلى الحملة المصرية، وأنه قادم إليهم عن قريب ملتحقا بهيئة أركان الحرب، ولو أنه لا يتقلد علامتها. وكان الأمير حسن في الثانية والعشرين من عمره، قصيرا، سمينا، وبالرغم من ذلك فارسا مكملا، ويحسن التكلم بالتركية والعربية والفرنساوية والإنجليزية والألمانية.
فوصل إلى مصوع في المحروسة حوالي آخر شهر ديسمبر، ومعه ياوره يوسف بك، وطبيبه بدر أفندي، فقوبل مقابلة فخمة، ونزل في سراي المحافظ، وما ارتاح من عناء السفر إلا وأراد الجنرال لورنج عملا بكتاب فرنساوي أتاه من الخديو، مكتوبا بخط يده، أن يشغله تحت إدارته في الأركان، ويلقي إلى عهدته مهمة خاصة، ولكن راتب باشا عملا بكتاب آخر أتاه، مكتوبا من الخديو نفسه بالتركية، أبى إلا إبقاءه بجانبه، زيادة في المحافظة عليه والاعتناء براحته. وكان الأمير عينه أميل إلى الإقامة بجانب راتب باشا منه إلى الاشتغال مع الجنرال لورنج، لأن هذا بصفته رجلا جديا كان، بعامل طبيعته وعامل اعتباره الحملة أمرا جديا في طياته مسئولية كبرى، من شأنه استخدام كفاءات الأمير المختلفة في أعمال ذات بال، بينما السردار لم يكن يهمه من وجود الأمير بجانبه إلا أن يجمع حوله أسباب الملاهي، وأنواع الملذات، فيفوز بارتياحه إليه، ورضاه عنه.
لذلك أخذت الأيام - ريثما تستكمل معدات النقل - تمر بمصوع للأمير والسردار، ولا سيما لأولهما: إما في الخروج إلى الصيد والقنص، وإما في الانكباب على لعب الشطرنج، ولما كان أمر تجهيز معدات النقل موكولا إلى المحافظ أحمد بك - وهو الشاب الغر الذي قلنا عنه، والذي كان إلى تهيئة معدات يوم صيد وقنص للأمير في الأدغال والجبال المجاورة أميل منه إلى الاشتغال بتسهيل مهمات الجيش - فإن اليوم طفق يتلو اليوم، والأسبوع الأسبوع، والعمل نائم، ووسائل النقل تهيأ ببطء بالرغم من أن الحاجة إلى الإسراع كانت شديدة، وأن الحض عليه كان لا يفتأ متواصلا من المرجع الأعلى بمصر.
وبما أنه ليس أدعى من الكسل والبطالة إلى التهاون في الواجبات وإهمالها، وليس أنجع منهما «بيئة» لإنماء مكروبات الفساد المادية والأدبية معا، فإن النفور الذي ما انفكت حلقاته متماسكة بشدة بين هيئة الجيش العامل، وهيئة أركان الحرب ما لبث أن اتسع من جهة بشكل مقلق بين رجال الهيئتين، وطفقت القيادة العليا تظهر جهارا من الاستخفاف بإرشادات أركان الحرب، وتقيم في سبيل عملهم من العقبات ما كان لا بد معه من الانتهاء إلى قارعة، ومن جهة أخرى، فإن الجنود أنفسهم لما وقفوا على حقيقة العلاقات بين الهيئتين، ولحظوا مظاهر الامتهان لرجال أركان الحرب بادية على جميع معاملات رجال القيادة العليا وضباط الجيش لهم، شرعوا يعتقدون أن أفيد وسيلة يتقربون بها إلى إرضاء رؤسائهم عنهم إنما هي أن يشاطروهم ذلك الامتهان للغربيين، فيجعلوا مراراته أشد وقعا على أنفسهم، فأخذ ذات الديدابانات يهملون تقديم السلام إلى الجنرال لورنج وضباطه، بينما هم كانوا يتفانون سلاما وتعظيما للأمير مرءوس الجنرال لورنج اسما، ولغيره من الضباط الشراكسة والأتراك الأحط مقاما ووظيفة في الجيش من أولئك الأمريكيين، وأخذ البيطريون المنوطة بهم خدمة الخيول لا يلتفتون إلا إلى خيول الأمير وحاشيته، ويهملون بالمرة خدمة خيل رئيس أركان الحرب وضباطه، فأصبح العمل على الجنرال لورنج وزمرته من أشق الأعمال، بل أصبحت الحياة ذاتها مرة المذاق عليهم إلى حد أخذ يفوق الطاقة، رويدا رويدا، حتى أدى بالجنرال يوما، بعد أن سئم التشكي للسردار من قلة أدب العساكر وقحتهم، ووقاحة الديدبانات، إلى الانقضاض على أحد هؤلاء وإشباعه لكما ولطما ورفسا.
على أن ذلك لم يجد نفعا، كما أن إلحاحه المتوالي وإلحاح ضباطه - لولا التحريضات المتتابعة من مصر - ذهب أيضا أدراج الرياح، فإنه حينما بلغ الجيش مصوع، أي في أواسط شهر ديسمبر سنة 1875، لم يكن قد جمع بعد من الجمال سوى 300 جمل، وقلة هذا العدد - لنقل مهمات جيش زاد، بعد انضمامه إلى ما بقي من حملة أرندروپ، على اثنى عشر ألفا - ظاهرة للعيان. أضف إلى ذلك أن ذات الجمال المجموعة لم تكن من الجنس العربي الجيد، بل كانت من الجنس المصوعي الضعيف الذي لا يتمكن من نقل ما ينيف على نصف حمل الجمل المصري، ومع ذلك فإن أحمد بك محافظ مصوع ما فتئ يتوانى في زيادة ذلك العدد، حتى مضى شهر، وأصبح التعوق موجبا وبالا، فهم حينئذ وجلب إلى المعسكر من الجمال والبغال ما رآه راتب باشا كافيا لتبرير البدء بالزحف، ولو أن أركان الحرب لم يكونوا على رأيه.
فسار الجيش من معسكره في 11 يناير سنة 1876، ولكنه حدث - كما كان منتظرا - أن قلة الاعتناء بالجمال وراحتها، وقلة الانتباه إلى مقدار قوة كل منها، بحيث لا يحمل زيادة على طاقته، أدتا إلى تقطع حبال التحزيم، وسقوط المهمات، وتلف جانب منها، وإلى تشتت الجمال في الفلوات، وفوق التلال والجبال، فأدى ذلك إلى تعب عظيم ومشقة كبرى في جمع شملها، وإعادة تحميلها.
وكان قد رسم تقدم عثمان باشا رفقي إلى جهة يقال لها (بعرزة) للاستطلاع، وهي محلة تبعد عن مصوع مسيرة يوم للمجد المسافر، ويومين للراكب البطيء، فزحف إليها بمقدمة الجيش، ولكن سوء تفاهم أوقعه أحمد رفعت أفندي كاتب السردار عمدا بين راتب باشا والجنرال لورنج، أدى إلى اضطراب في الأوامر الصادرة، أوجب إبدال عدى راسو (أو عدرسه) من (بعرزة)، ونجم عنه ضياع أسبوع على تقدم الجيش الذي لم يصل إلى الهضبة المطلة على وادي (قرع) إلا في ضحوة يوم الأحد 30 يناير سنة 1876.
وفي الغد قدم المعسكر الرأس ليج، حاكم (عدى حواله) الذي عزله النجاشي، وأخبر القيادة العليا المصرية وهيئة أركان الحرب بحركات الملك يوحنا، ولما كانت التعليمات المعطاة لراتب باشا تقضي بالاشتباك مع النجاشي في معركة مفتوحة، وكسره كسرة تؤدبه تأديبا شديدا، ويدوي صداها في العالم، ثم الرجوع إلى مصوع، فإذا تعذر ذلك الاشتباك لركون يوحنا إلى خطة الحيطة والحرص، فالزحف إلى (عدوة) عاصمته ومقاتلته فيها، ثم العودة إلى مصوع، فإذا تعذر هذا وذاك، فالإقامة على هضبة (قرع)، واحتلال الجيرة، وانتظار تعليمات جديدة؛ فإن السردار رأى بعد مداولة مع الرأس ليج المذكور، أن يختار موقعا موافقا ويتحصن فيه، ويجمع كل قوته إليه، ليكون على استعداد لمقابلة الطوارئ.
فأصدر أمره إلى رشيد باشا بالتقدم والانضمام إلى بقية الجيش - وكانت قوة رشيد مؤلفة من 5426 من البيادة، وبطاريتين فيهما 394 مدفعيا، و566 خيالا، ولا تزال مقيمة بالقرب من مصوع - ولكنه أصدر إليه هذا الأمر بدون أن يضع أي وسيلة من وسائل النقل تحت تصرفه، أو يهيئ له أسباب الحصول عليها، وبالرغم من أن وسائل نقل المأكولات إلى الجيش كانت قليلة، وأن مجيء تلك القوة كان من شأنه زيادة عدد الأفواه الآكلة، ما بين بشر ودواب، على قلة الموجود مما يؤكل.
وفي الحقيقة، فإن أكبر مصاعب هذه الحملة المشئومة إنما نجم عن قلة الاهتمام بوسائل النقل على العموم، واختلال الإدارة القائمة بها، إما لعجز في كفاءة الرجال الذين نيطت بهم، وإما لأن رؤساء هؤلاء الرجال والمكلفين بالتوسط بينهم وبين مصادر تلك الوسائل لم يمكنوهم من القيام بمهمتهم القيام الواجب.
Página desconocida