254

Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Géneros

أن تلك المحاكم القنصلية لم يكن يهمها الحق، على العموم، بقدر ما كانت تهمها مصلحة رعايا دولتها: لأن كل قنصل، إلا ما ندر، كان يعتبر أن الغرض من وجوده في البلاد إنما هو الدفاع عن مواطنيه، سواء أكانوا مظلومين أم ظالمين؛ وأن ينصرهم، أكان الحق في جانبهم أم عليهم، ونتيجة ذلك أن المحكمة القنصلية، مهما كانت جنسية المدعي، كانت، تقريبا دائما، في جانب المدعى عليه، مبدئيا؛ تتحزب له تحزبا بينا، تمتعض منه كل نفس تشعر، ولو قليلا، بثقل الحيف ومضاضته.

أما إذا كان المدعي من الأهالي، فمقابلة محاكم البلاد عمل المحاكم القنصلية بالمثل كان متعذرا، لعدم تمكنها من محاكمة أجنبي على الإطلاق، بعدما ثبت في العادات القضائية حق تنصل الأجانب من اختصاصها، سواء أكانوا مدعين أم مدعى عليهم.

وأما إذا كان المدعي أجنبيا، فإن قنصليته كانت تتحين الفرص لتعامل مواطني المدعى عليه التي تحيزت قنصليته له على قاعدة «العين بالعين والسن بالسن».

مثال ذلك ما فعله المسيو تريكو، أحد قناصل فرنسا بالإسكندرية، بيوناني من هذه المدينة، وتفصيله: أن يونانيا رفع على فرنساوي، أمام محكمة المسيو تريكو هذا القنصلية، قضية طالب خصمه فيها بدفع مبلغ استحق عليه بموجب سند موقع منه، وكان لا بد للمحكمة من أن تحكم على الفرنساوي بدفعه، إلا إذا سجلت على نفسها الجور والظلم، فلما فتحت الجلسة، ونودي على القضية، وحضر اليوناني وخصمه أمام المسيو تريكو، سأل هذا القنصل اليوناني قائلا: «أأنت يوناني من رعايا الحكومة المحلية أم يوناني من رعايا دولة اليونان؟» فأجاب الرجل: «أنا يوناني من رعايا دولة اليونان»، فالتفت المسيو تريكو إلى كاتب الجلسة وقال: «شطبت القضية» ثم وجه كلامه إلى المدعي وقال: «لا شأن لك عندي؛ اذهب وقل لقنصلك إنه متى عامل الفرنساويين الذين يتقاضون أمامه بالعدل، أعامل أنا أيضا بالعدل اليونان المتقاضين أمامي».

الثالث:

هو أن تلك المحاكم القنصلية إنما كانت ابتدائية فقط، وأن استئناف الأحكام الصادرة منها كان يجب أن يرفع إلى إحدى محاكم أول درجة في وطن المدعى عليه، فإذا كان هذا فرنساويا، مثلا، كان استئناف الأحكام الصادرة من قنصليته بالقطر المصري إلى محكمة «إكس»؛ وإذا كان طليانيا، فإلى محكمة «انكونا»؛ وإذا كان يونانيا، فإلى محكمة «أثينا»؛ وإذا كان بريطانيا، فإلى محكمة «لندن»؛ وإذا كان نمساويا، فإلى محكمة «تريستي»؛ وإذا كان بروسيا أو ألمانيا، فإلى محكمة «برلين» أو إحدى المحاكم الألمانية الأخرى؛ وإذا كان أمريكيا، فإلى محكمة «نيويورك»؛ وهلم جرا.

وكان من شأن هذا النظام أن يتكبد المستأنف مصاريف جمة قد ترهقه إرهاقا، وأن يضيع من الوقت والمناسبات المصلحية ما قد يضربه أضعاف الإضرار الناجم له عن الحكم المستأنف الذي رآه مجحفا بحقوقه، فيما لو امتثل له ورضي به.

ولكنه لو حمل نفسه على تكبد تلك المصاريف وتضييع ذلك الوقت وتلك المناسبات، وأمكنه، بعد التعب والعناء الشديد، البلوغ إلى استصدار حكم يلغي الحكم المستأنف، هل كان في استطاعته أن يعتقد أنه بلغ نهاية متاعبه ونال المبتغى؟ كلا.

فإن خصمه قد يكون - أثناء المقاضاة في أوروبا أو أمريكا - حول حقه إلى شخص ثالث من غير جنسيته؛ فلا يعود من المستطاع تنفيذ الحكم الاستئنافي ضده؛ ويضطر المتقاضي المسكين إلى إعادة دعواه ضد الشخص الثالث المحول الحق إليه، وهو لا يتوقع إلا أن يكرر هذا الشخص أيضا الملعوب عينه، وهكذا إلى ما لا نهاية له فيفضل، إزاء ذلك، التنكب عن كل مطالبة!

وفي جميع هذه العراقيل القضائية من الإضرار بالمعاملة وتوقيف حركة التجارة والأشغال، ما نحن في غنى عن شرحه.

Página desconocida