Historia de Egipto en la era del Jedive Ismael Bajá
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Géneros
2
فإنه - حفظه الله - أيام أن كان رئيسا للجامعة المصرية، أدخل، بجانب نظام بعثاتها العلمية، نظام بعثات أحداث، ناعمي الأظفار، إلى بلاد أوروبية مختلفة، ليعيشوا في بيئات تغاير تمام المغايرة بيئاتهم المصرية: فيكونون نشأة جديدة، وإنسانية مصرية عصرية، متشربتين ومتشبعتين بغير المبادئ، والعادات، العقلية، المدينة مصر لمجموعها بذلها القرني.
ووقع في خلد (إبراهيم باشا)، علاوة على ما ذكر، إلزام جميع الموظفين والضباط المصريين بإرسال أولادهم الصغار إلى المدارس والمآهل الأوروبية، على نفقاتهم الخصوصية، بدلا من إرسالهم إليها على نفقة الحكومة؛ وذلك لاعتقاده أن الأهالي إنما يهتمون بتربية أولادهم وتعليمهم على نسبة التضحية المادية والأدبية التي يحملون أنفسهم أعباءها في هذا السبيل؛ وأن الاهتمام الذي تكون التضحية العائلية أسه، لا يلبث أن ينتشر بين جميع طبقات الأمة، ويشترك فيه كل أفراد الهيئة الاجتماعية.
ولا يختلف اثنان عاقلان في سداد آراء (إبراهيم باشا) هذه؛ فلا يسع أحدا إلا التأسف تأسفا عميقا على قطع المنون شجرة حياته الكثيرة الثمار قبل نضوج هذه الثمرة عليها أيضا.
ويزيد لدي التفكير بأن خليفته (عباس باشا الأول) لم يكتف بعدم مجاراته في أفكاره ونياته فحسب؛ بل إنه قلب نظام التعليم والمدارس رأسا على عقب، بعد امتحان أجراه بأبي زعبل للأساتذة والطلبة معا، وكانت نتيجته سيئة للغاية؛ لأن الأساتذة - وكان معظمهم من الأزهريين الذين سبق لنا ذكرهم - ظهروا فيه بمظهر الجهلاء النوكى الحمقى فأمر بإقفال عموم المدارس وطرد الطلبة والأساتذة منها؛ ما عدا مدرسة واحدة، أبقاها ودعاها بالمفروزة، للدلالة على أنها المختارة من بين الكل؛ وأعدها لتخريج ضباط للبرية والبحرية ومهندسين عسكريين ومدنيين.
غير أنه عاد إلى فتح مدرسة الطب وتنظيمها على أسس جديدة تؤهلها لتخريج أطباء للجيش، ولما كان شديد الكراهة للعناصر الأجنبية، ولا سيما الغربية منها، وكان لا يرى متى تأتي الساعة التي يمكنه فيها الاستغناء عن غربي متقلد وظيفة في القطر؛ وكان، من جهة أخرى، يكره من صميم فؤاده أن يتخلى الشرق عن عقليته وعاداته وأخلاقه، حتى السقيمة منها، فإنه ارتآى أن يرسل إلى أوروبا، بدلا من الصبيان، الناعمي الأظفار، والأحداث، الذين رغب عمه (إبراهيم) في إرسالهم إليها، شبانا في الخامسة والعشرين من عمرهم، على الأقل، أتموا كل دروسهم بمصر؛ وأن يفضل على هؤلاء أيضا، الشبان الذين يكون قد سبق لهم تدريس في المدارس العليا الملغاة، لكي يتقنوا في ردح يسير العلوم التي يرسلهم لتلقيها، ويعودوا فيحلون محل الغربيين في دوائر التعليم والإدارة عامة.
وكان (سعيد باشا) خليفته، بالرغم من ميله الكثير إلى الغربيين وعقليتهم، قليل الرغبة في تعليم الفتيان من رعيته؛ حتى إنه قال ذات يوم لكونج بك، مربيه السويسري الذي أصبح سريره الخاص، بعدما تولى العرش، وكان يحضه على إعادة فتح المدارس التي أقفلها عباس، سلفه:
3 «لم نعلم الشعب؟ لكي يصبح الحكم عليه والتصرف فيه أعسر مما هما عليه؟ دعهم في جهلهم! فالأمة الجاهلة أسلس قيادا في يدي حاكمها.» فألغى إذا وزارة المعارف العمومية، كما ألغى معظم الوزارات، وألحق إدارة التعليم بدائرته الخاصة، أو بوزارة الحربية.
ولكنه عاد فأظهر اهتماما عظيما بمدرسة الطب دون غيرها: فوضع لها نظاما جديدا، واحتفل بافتتاحها، على هذا النظام، احتفالا شائقا تحت رياسة أدهم باشا وزير الداخلية، وبحضور شيخ الإسلام وعلماء الدين والهيئات الرسمية الغربية في 10 سبتمبر سنة 1856.
وأظهر أيضا اهتماما يعتد به بالمدارس الأجنبية المؤسسة في البلاد بمعرفة الإرساليات المذهبية، ومما يؤثر عنه أن راهبات الراعي الصالح - وكن قائمات، في مدرستيهما بمصر والإسكندرية، بتربية ستين يتيمة من بنات البلاد، على اختلاف أديانهن، زيادة عن البنات الأخرى، الدافعات قيمة زهيدة، أجرة تعليمهن وتربيتهن - وجدن العبء ثقيلا عليهن؛ فالتجأن إليه، ورفعن إلى مكارمه عرضا، طلبن به منحهن إردب بر، سنويا، عن كل واحدة من تلك اليتيمات؛ فأجاب طلبهن في الحال، وجاد عليهن بما التمسن، وأن راهبات المحبة بالإسكندرية - وكن قد فتحن صيدلية لتوزيع الأدوية مجانا على المرضى، على اختلاف مذاهبهم وأديانهم، شأنهن اليوم - وجدن أنهن في احتياج إلى مبلغ خمسة آلاف فرنك، سنويا، ليتمكن من الاستمرار على عملهن البار؛ فالتمسنه من مكارم (سعيد)؛ ففاضت عليهن به، ولو التمسن خمسمائة ألف فرنك، لما تأخر عنهن.
Página desconocida