Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
ولذلك اضطر البرديسي في 7 مارس إلى «عمل فردة على أهل البلد، وتصدى لذلك المحروقي، وشرعوا في كتابة قوائم لذلك ووزعوها على العقار والأملاك أجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني يدفعه صاحب الملك»، فثارت القاهرة.
فقد تحمل القاهريون مظالم البكوات السابقة، وتوسط مشايخهم لدى البكوات مرارا لرفعها دون جدوى، ولما كان الضنك والبؤس قد بلغا منتهاهما، فقد «نزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما فيهم من الغلاء ووقف الحال» عندما شاهدوا كتاب الفردة والمهندسين «ومع كل جماعة شخص من الأجناد يطوفون بالأخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الأجر»، فكثرت الاحتجاجات ورفض الفقراء والجسورون الدفع، واشتبك الأهلون مع عمال الفردة في مناقشات حادة، واجتمعت الجماهير في الجوامع وخرج الفقراء والعامة والنساء «طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها، والنساء يندبن وينعين ويقلن كلاما على البكوات مثل قولهن «أيش تأخذ من تفليسي يا برديسي؟» وصبغن أيديهن بالنيلة»، وذهبت الجماهير إلى الأزهر يطلبون وساطة المشايخ لدى البكوات، واضطر البكوات إلى إبطالها (8 مارس).
وكان لهذه الثورة نتائج خطيرة مباشرة، فقد أخافت البكوات الذين أربكتهم هذه المقاومة الغير المنتظرة من جانب الشعب، كما بصرت «محمد علي» بعواقب إرجاء تنفيذ خطوته الأخيرة؛ لأنه كان من الواضح - إذا استمر هياج القاهريين أن ينقلب هذا الهياج كذلك ضد الأرنئود بسبب اعتداءاتهم على هؤلاء وفظائعهم التي ارتكبوها معهم، فيصبح الأرنئود محصورين بين قوتين: قوة البكوات والمماليك الذين كانوا يريدون - على نحو ما أوضحنا سابقا - التخلص منهم بقدر رغبة محمد علي نفسه في التخلص من البكوات وحكومتهم، وقوة الشعب الذي يسهل عليه في ثورته أن يفتك بالجند الأرنئود لانتشارهم بين أفراده، وقد أخافت هذه الثورة فعلا الأرنئود «فصاروا يقولون للقاهريين نحن معكم «سوا سوا»، أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفتنا على الميري وليست عليكم، أنتم أناس فقراء»، ولم يتعرض أحد من الأهلين لهم.
وبادر محمد علي بالنزول وسط الجماهير، يجتمع بالمشايخ، ويسير معهم في الشوارع ويختلط بالجماهير الصاخبة والهائجة، ويتعهد لهم بإبطال الفردة كما بعث بوكيله «كتخداه» إلى الجامع الأزهر، يردد نفس ما قاله جنوده الأرنئود «ونادى به في الأسواق، ففرح الناس وانحرفت طبائعهم عن البكوات ومالوا إلى العسكر»، وكسب محمد علي المشايخ والشعب إلى جانبه.
وكان بسبب ما ظهر من موقف محمد علي وجنده الأرنئود في هذه الأزمة أن أدرك عدد كبير من البكوات والمماليك أن من صالحهم الآن إنهاء محالفتهم مع الأرنئود وأن المستقبل إنما هو للجماعة التي يكون لها سبق القضاء على الأخرى، وكان على رأس هؤلاء إبراهيم بك الذي أدرك من غيره حقيقة موقف جماعته، وظل - كما سبقت الإشارة إليه - يحذر البرديسي في كل المناسبات من محمد علي واستمرار المحالفة مع الأرنئود، وأشار إبراهيم في اجتماع سري عقده مع سائر البكوات عقب حوادث «7 و8 مارس» إلى ضرورة فصم علاقاتهم مع محمد علي والأرنئود وتوجيه ضربة قاصمة للأرنئود وزعمائهم «دفعة واحدة وفي يوم واحد»، حتى يتخلصوا منهم نهائيا وبكل سرعة، وكان محمد علي بسبب الدور الذي قام به في حوادث «7 و8 مارس»؛ قد أثار شكوك كثيرين منهم في ولائه، ولكن البرديسي عارض اقتراح إبراهيم بشدة، وأشاد بذكر الخدمات التي أداها الأرنئود وزعيمهم محمد علي للمماليك، وسقط اقتراح إبراهيم.
وترامى لمحمد علي أن البكوات وأكثرية أتباعهم صاروا يشكون في أمره، كما صارت تتزايد في الأيام التالية اتهامات هؤلاء ضده ولو أن البرديسي استمر يدفع عنه هذه التهم ويناصره، ثم بلغ من ثقة البرديسي العمياء به أنه استمع لآخر «نصيحة زوده بها محمد علي، فتخلص البرديسي من أكبر خدامه شجاعة وأصدقهم ولاء له «المملوك» الفرنسي «سليم كومب»
Combe ، كما جدد رجال مدفعيته، فاستبدل برجال اكتسبوا خبرة ومرانا طويلا جماعة من «الترك» لم يتوخ الدقة في اختيارهم، فلم يلبث محمد علي أن اشترى ولاءهم بالمال، ووجد حينئذ أن الفرصة قد صارت سانحة لتنفيذ خطوته الأخيرة والخامسة والتي فكر فيها طويلا ضد حكومة البكوات المماليك.
وفي 12 مارس 1804 علم البرديسي من جواسيسه أن الأرنئود يعتزمون مهاجمته في بيته، فجمع حوله كل مماليكه وخلع «محمد علي» القناع وبدأ الانقلاب في منتصف الليل، عندما ذهب محمد علي بنفسه على رأس فريق من الأرنئود لمحاصرة البرديسي، بينما ذهب حسن بك مع فريق آخر لمحاصرة إبراهيم بك، وسمع القاهريون صوت الرصاص، واستمر الضرب في اليوم التالي (13 مارس) ولم ينتفع البرديسي من مدفعيته، فلم يجد مناصا من الخروج وسط كوكبة شقوا طريقهم بالسيف وسط جموع الأرنئود حتى وصلوا إلى «قلعة المجمع العلمي» ثم انسحبوا منها إلى «البساتين»، وخرج إبراهيم بك من بيته مع جماعته يشق طريقه هو الآخر بحد السيف، فاستطاع الوصول إلى ميدان الرميلة، وانسحب إلى الصحراء، ومع أن القلعة ظلت تطلق قنابلها في أثناء هذه الحوادث على بيوت الأرنئود بالأزبكية إلا أن المغاربة الذين كانوا بحاميتها سرعان ما ثاروا على حاكمها «شاهين بك» بمجرد أن علموا بفرار البكوات، فأرغموه هو الآخر على الفرار مع رجاله من باب الجبل، ولم يبق في أيدي البكوات سوى مقياس الروضة يحتله حسين بك الزنطاوي مع مائتين من المشاة فحسب، ولكن الزنطاوي ما إن علم بمغادرة البرديسي لقلعة المجمع العلمي حتى أحرق سفن مدفعيته، وغادر الروضة بسرعة. وهكذا باتت القاهرة بأسرها في قبضة محمد علي.
ويفسر الشيخ الجبرتي هذا الانقلاب الذي بدأ تدبيره جديا منذ ثورة القاهريين في 8 مارس، وهي الثورة التي مكنت «محمد علي» من كسب الشعب والمشايخ إلى جانبه بقوله: إن هذه الفعلة؛ أي مواساة محمد علي للشعب، وتعهده بإبطال «الفردة» وإرسال كتخداه إلى الأزهر، مما تسبب عنه فرح الناس وانحراف طباعهم عن البكوات وميلهم إلى العسكر - كانت من جملة الدسائس الشيطانية، فإن «محمد علي» لما حرش العساكر على محمد باشا خسرو وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والأرنئود، ثم بالأتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه إن تم له الأمر ونما أمر الأتراك؛ أي الإنكشارية لا يبقون عليه، فعاجله وأزاله بمعونة الأمراء المصرلية، واستقر معهم حتى أوقع - باشتراكهم - قتل الدفتردار والكتخدا، ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا، ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي «الجزائرلي» حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه.
كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا للبرديسي، فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر، واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه، وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه، وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالألفي وأتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم، فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعلموا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الإحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلهم بميلهم الباطني إليهم فاضطروهم إلى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل، وعند ذلك تبرأ محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا إلى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك ...» فكانت الواقعة التي قوضت عروش الحكومة المملوكية. (4) ولاية خورشيد
Página desconocida