Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
في كتابه عن طرابلس الغرب،
1
وذكر شيئا عنها الشيخ الجبرتي - أنه كان من أصل جزائري مملوكا لأحد حكامها، أوفد في مهمة إلى القسطنطينية، فاستطاع هناك بدهائه ودسائسه أن يظفر بتوليته على طرابلس الغرب (يوليو 1793)، فأساء إلى أهل طرابلس إساءات بالغة حتى انتهى الأمر بطرده منها في يناير 1795، فلم يجرؤ على العودة إلى القسطنطينية لسوء سيرته ونزل بالإسكندرية لاجئا في حماية مراد بك، وظل في حمايته حتى جاء الفرنسيون فقاتل مع مراد بك ثم فضل الذهاب إلى الشام للإقامة بها مع إبراهيم بك، ومن هناك بعث به الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا بمكاتبات إلى القسطنطينية، فبقي بها وحظي بعطف الصدر وحمايته له حتى إذا وقعت الحوادث الأخيرة توسط الصدر في تعيينه لباشوية القاهرة.
وهكذا لم يكن علي الجزائرلي غريبا عن القاهرة، ويعرف البكوات حق المعرفة، ويعرفون مكره وخداعه، وكان من المنتظر أن يثير وجوده الخلافات الكثيرة بين البكوات أنفسهم، كما كان معروفا عن خلقه أنه لا يتورع عن الانحياز إلى الفرنسيين إذا وجد في ذلك ما يحقق مطامعه بالرغم من انتمائه للحزب المناصر للنفوذ الإنجليزي بالقسطنطينية.
على أن تعيين علي الجزائرلي - بسبب علاقاته السابقة نفسها مع البكوات المماليك - كان مبعث تعليقات مختلفة عن مهمته، وعن مغزى تعيينه، فكتب «مسيت» إلى حكومته في 30 يوليو أنه يبدو له بسبب اختيار علي الجزائرلي لملء منصب الولاية أن الباب العالي قد اكتشف في آخر الأمر أن وسائل القمع العنيفة التي أوصى بها القبطان باشا، وظل الباب العالي يتبعها مدة طويلة، ليست أجدى الوسائل لإعادة الهدوء والسكينة إلى مصر؛ لأن علي باشا الذي مكث بالبلاد قبل ذلك سنوات طويلة تحت حماية البكوات، قد ظل طوال هذا النضال الذي عاد بالكوارث على الفريقين المتناضلين: الأتراك والمماليك، ينصح بفض النزاع «بطرق سلمية»، ولكن «مسيت» ما لبث أن قال في نفس رسالته هذه «إن تعيين علي باشا لهذا المنصب قد جاء متأخرا وبعد فوات الأوان؛ لأن البكوات يكادون يمتلكون البلاد بأسرها، وآمالهم عظيمة في إمكانهم إخضاع الإسكندرية كذلك، وقد رفضوا فعلا الاستجابة لرغبة علي باشا الذي فاتحهم في موضوع الوصول إلى اتفاق وتسوية بينهم وبين الباب العالي.»
وواقع الأمر أن علي الجزائرلي بمجرد وصوله إلى الإسكندرية في 8 يوليو، بادر بالكتابة إلى البكوات في القاهرة يلومهم على دخول القاهرة «بمعاونة الأرنئودية وقتل رجال الدولة والإنكشارية وقتل من معهم وإخراج من بقي منهم على غير صورة»، وأنه ما كان يصح لهم «دخول المدينة إلا بإذن من الدولة»، ثم استند على ما كان له «من عشرة سابقة معهم ومحبة أكيدة لهم» وحرصه على راحتهم؛ ليطلب منهم تنفيذ أوامر الباب العالي، ثم حذرهم من عصيان أمر السلطان الذي «ربما استعان عليهم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لهم بهم» وهددهم إذا هم عصوا أمر السلطنة «بسيفها الطويل»؛ أي أنه طلب منهم الإذعان والخروج من مصر كلية حسب مشيئة الباب العالي، ووصلت رسالة علي باشا القاهرة في 10 يوليو، ولم يكن من المنتظر أن يذعن البكوات لإرادة الباب العالي.
بل إن هؤلاء سرعان ما استدعوا - على عجل - كل قواتهم من الدلتا إلى القاهرة، فبدأت هذه سيرها نحو العاصمة في ليل 11-12 يوليو بحجة أن «الوهابي» شرع يزحف بسرعة من الحجاز إلى مصر، وكانت قد وصلت أوراق «تتضمن دعوته وعقيدته» إلى القاهرة مع الحجاج العائدين من الحجاز منذ 18 يونيو وذلك لجمع قواتهم وتركيزها بالقاهرة استعدادا للطوارئ.
وفي اليوم الذي وصل فيه كتاب علي باشا (10 يوليو)، أجاب البكوات برسالة مسهبة عزوا فيها سبب دخولهم إلى القاهرة إلى «استغاثة المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية» بهم، وبقاء المدينة بعد مقتل طاهر باشا ظلما على يد الإنكشارية «رعية من غير راع وخوف الرعية من جور العساكر وتعديهم»، ولكنهم أعلنوا تصميمهم على عدم الخروج من البلاد «حيث لا تطاوعهم جماعتهم وعساكرهم على الخروج من أوطانهم بعد استقرارهم فيها.»
ولم يأبهوا لتهديدات علي باشا واستعانة السلطان عليهم ببعض المخالفين، وقالوا في الوقت نفسه: إنهم قد بعثوا بعريضة - أو عرضحال - إلى الباب العالي يطلبون الصفح والرضا، وينتظرون جوابه عليها، وقال «مسيت» عندما أبلغ حكومته هذه الأشياء: إن البكوات قد أوضحوا لعلي باشا أنهم قرروا عدم الإذعان أو قبول أية حكومة غير تلك التي كانت قائمة فعلا عند غزو الفرنسيين للبلاد.
وهكذا رفض البكوات الرضوخ لأمر الباب العالي، وقرروا المضي في عملياتهم العسكرية لإخضاع الموقعين الباقيين في حوزة العثمانيين: رشيد والإسكندرية، وكان أهم ما عني به البكوات أن يحولوا أولا دون سقوط رشيد في يد علي باشا حتى لا يعطيه استيلاؤه عليها فرصة السيطرة على الملاحة في النيل وجلب المؤن بطريقها إلى الإسكندرية، فبعث إبراهيم بك بقوة إلى رشيد، وخرج البرديسي من المنصورة، وكان قد غادر دمياط بعد إرسال خسرو أسيرا إلى القاهرة - على نحو ما قدمنا - فقصد إلى الرحمانية المكان المتفق عليه مع محمد علي لتلاقي قواتهما به قبل الزحف على رشيد، وأدرك علي باشا الجزائرلي بدوره أهمية الاستيلاء على رشيد، فبعث هو الآخر بأخيه «ريس القباطين» السيد علي باشا إليها، واستطاع سليمان أغا رئيس قوات البرديسي احتلال رشيد قبل وصول السيد علي، وتحصن حاكمها «العثمانلي» إبراهيم أفندي بقلعة جوليان، أو برج مغيزل أو رشيد، ولكن السيد علي لم يلبث أن أقنع سليمان أغا بالارتداد عن رشيد؛ بدعوى أن هناك مفاوضات بين الجزائرلي والبرديسي، وأن هذين بسبيل الاتفاق والتراضي، وكان من أسباب انسحاب سليمان أغا خوفه من أن يجد نفسه محاطا بالعدو من ناحيتي قلعة جوليان والإسكندرية، فأخلى رشيد منسحبا إلى الرحمانية، واحتلها السيد علي.
Página desconocida