Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
ولكن ستيوارت في الوقت الذي وقف فيه ذلك الموقف السلبي من خلافات الأتراك والمماليك ، وهو الحياد الذي كان يراه متفقا مع كرامته؛ لم يلبث أن أرسل ياوره اللورد «بلانتاير» إلى القسطنطينية مزودا بتعليماته في 21 نوفمبر حتى يطلع «إلجين» على حقيقة الموقف في مصر، وكي يلح عليه في ضرورة الوصول إلى أي اتفاق أو تسوية مع الباب العالي بشأن البكوات، وقال ستيوارت في هذه التعليمات: «إن البكوات سوف يقبلون راضخين أية شروط تعرض عليهم ما دامت لا تطلب نفيهم من مصر»، ثم كتب للصدر الأعظم في 26 نوفمبر يخبره بمهمة «بلانتاير»، «حتى يطلعه على تفاصيل الحوادث التي وقعت أخيرا في مصر، والتي تهم الصدر الأعظم بلا شك، كما تهم الدول الحليفة لتركيا، وحتى يتحدث إليه عن ذلك النضال المميت، والذي استعر أواره بين الباب العالي حليف إنجلترا، وبين البكوات الذين أعطى لهم الملك وعده، بينما يرى «ستيوارت» أناسا هم رعايا سلطان واحد وإخوة في دين واحد، وأبناء آباء واحدة، يتطاحنون ويتقاتلون ولا يصغون لأصدقائهم الذين يريدون أن يسود السلام والوئام بينهم»، ورجا ستيوارت الصدر الأعظم أن يتوسط في السلام بين الباب العالي والمماليك.
وفي 22 نوفمبر غادر «بلانتاير» الإسكندرية إلى أزمير ومنها إلى القسطنطينية فوصلها في 24 ديسمبر، وهناك وجد أن «إلجين» كان قد استأنف مباحثاته مع الباب العالي بشأن المماليك نتيجة لما أظهره سباستياني من نشاط - وقد انتهت مهمته في مصر وغادرها في 14 نوفمبر كما هو معروف - ولو أن الباب العالي لم يتأثر - على ما يبدو - ببعثته، بل ظل مصمما على المضي في طريقه، وقرر إرسال أحد موظفيه «صدقي أفندي» إلى لندن؛ ليوضح للورد «هوكسبري» شعور الباب العالي نحو مسلك «ستيوارت» في مصر، ويجدد عروضه السابقة بشأن المماليك - وهي العروض القائمة على نقلهم وإبعادهم من مصر - وفي 30 نوفمبر كتب «إلجين» إلى «هوكسبري» يقدم إليه صدقي أفندي «المفاوض العثماني» الذي اختاره الباب العالي للمباحثة مع الوزراء الإنجليز في مسألة المماليك، ويخبر «هوكسبري» أن الباب العالي قد أوفد إلى مصر أيضا مفاوضا آخر للاشتراك مع «الدفتردار حاتم أفندي» بها لتسوية هذه المسألة مع الجنرال «ستيوارت»، وحاول «إلجين» إحباط قرار الباب العالي وعرض في الوقت نفسه أن يذهب إلى الإسكندرية لعقد اتفاق مناسب للطرفين، ولكن جهوده ذهبت سدى، حتى إذا أرسل خسرو باشا إلى القسطنطينية تفصيلات مقابلته مع سباستياني، تبدل اطمئنان الباب العالي إلى قلق وانزعاج شديدين؛ لأنه لم يكن من المتعذر إدراك الغاية من إلحاح سباستياني باسم القنصل الأول في التوسط وإنشاء العلاقات الودية مع البكوات، وزاد انزعاج الباب العالي عندما عرف من مبعوثه «في عقد السلام بين تركيا وفرنسا» بعد عودته من باريس أن «بونابرت أبلغه مرتين برغبته في التدخل واستخدام نفوذه لإعادة سلطان البكوات في مصر»، فصار واضحا أنه من المحتمل كثيرا أن تتدخل فرنسا الآن في شئون مصر الداخلية، واعتقد الباب العالي انه صار من مصلحته المبادرة بكل سرعة لتنظيم شئون مصر الداخلية، كما اعتقد أن في وسعه الوصول إلى تسوية أو تنظيم يطلق يده تماما ويمكنه من حرية العمل في مصر إذا هو نجح في إقناع الإنجليز الذين أعلنوا أن لا مصلحة لهم في هذه البلاد، بقبول التنظيم الذي تبغيه ثم تبع ذلك انسحاب جيشهم، وعلى ذلك فقد اجتمع الريس أفندي بإلجين في 19 ديسمبر، وبدأت من ثم المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق أخيرا، وإن كان هذا الاتفاق قد جاء متأخرا وفي وقت كانت قد تغيرت فيه الظروف، واختلف الموقف تماما عما كان عليه عندما بدأ الإنجليز وساطتهم من عامين مضيا وبصورة جعلت البكوات يرفضون هذا الاتفاق فخسروا بذلك قضيتهم نهائيا.
اتفاق «3-6 يناير سنة 1803»
وبدأت المباحثات بأن صار الريس أفندي يعرض الحجج والدعاوى التي حاول بها التأثير على الإنجليز حتى يتركوا اهتمامهم بمسألة المماليك، وبنى الأتراك أملهم في النجاح على ما قدموه من براهين تدل على أن القنصل الأول يسعى جاهدا حتى يعيد إلى البكوات سلطتهم السابقة، ومن هذه البراهين محضر لما حدث في المباحثات التي دارت بين خسرو باشا وسباستياني في القاهرة بشأن رغبة القنصل الأول في التوسط بين الباب العالي وبين المماليك ، ومحاولة سباستياني مقابلة البكوات، ومنها مفاتحة بونابرت - التي أشرنا إليها - للمندوب أو المفاوض التركي في باريس، ثم وجود تفاهم سري بين بونابرت وإبراهيم بك، قال الأتراك إنهم علموا به من مراسلات سرية أكدوا للورد إلجين وثوقهم من حدوثها، وهي عبارة عن خطابات تبودلت بين بونابرت وإبراهيم بك، وكان الواسطة في ذلك «يعقوب القبطي» - المشهور بالجنرال يعقوب والذي غادر مصر مع «منو
Menou » - وقد أثبتت هذه المراسلات على نحوها أبلغ إلجين اللورد هوكسبري في 15 يناير سنة 1803 - طلب يعقوب مساعدة القنصل الأول للبكوات، ووعد الأخير بمساعدتهم وتأييدهم.
والمعروف عن الجنرال يعقوب أو المعلم يعقوب حنا أنه من كبار الذين أيدوا الفرنسيين وناصروهم في أثناء احتلالهم لمصر، وجعله الفرنسيون ساري عسكر القبط من الشبان الذين جمعوا من الصعيد وأحضروا إلى القاهرة وكانوا حوالي الألفين، وعندما سلم «بليار» القاهرة خرج يعقوب مع من خرج من الفرنسيين وقتئذ من مصر، وكان مزودا بتفويض من المعلمين جرجس جوهري وأنطون أبو طاقية وفلتاءوس وملطي لمطالبة الحكومة الفرنسية برد المبالغ التي أقرضوها مشتركين مع المعلم يعقوب نفسه للجنرال «منو»، وقد صحبه في خروجه أهله، وكان «ثيودور لاسكاريس
Lascaris » ممن خرجوا كذلك ونقلتهم الفرقاطة «بالاس
» الإنجليزية، نفس الفرقاطة التي حملت يعقوب وجماعته، والمعروف عن «لاسكاريس» أنه مغامر كان بمالطة «مع فرسان القديس يوحنا» عندما استولى بونابرت عليها (1798) وحضر معه إلى مصر، عرف بالخيال الواسع، والشذوذ، واستمر طيلة حياته صاحب مشروعات، كما وصف هو نفسه، تولى الترجمة بين يعقوب وبين «جوزيف إدموندس
Joseph Edmonds » ربان هذه الفرقاطة الإنجليزية، فكان بفضل هذه الترجمة - على ما يبدو - أن ذاعت فكرة أن الجنرال يعقوب إنما أراد الذهاب إلى فرنسا كي يطالب باستقلال مصر، الأمر الذي لا يوجد أي دليل على صحته سوى بعض العبارات التي نقلها «لاسكاريس» لربان السفينة بوصفه مترجما بين الاثنين، وبعض المذكرات التي وضعها «لاسكاريس» نفسه بوصفه - كما قال - أحد أعضاء الوفد المصري الذاهب إلى فرنسا للمطالبة باستقلال مصر، ثم لإقناع الإنجليز باحتضان مشروع الاستقلال وموافقتهم عليه، ولو أنه من الثابت أن الفرقاطة بالاس غادرت الإسكندرية يوم أول أغسطس سنة 1801، وفي 3 أغسطس مرض يعقوب، ثم اشتدت وطأة المرض عليه فتوفي في 16 أغسطس، ووصلت الفرقاطة إلى طولون في 17 سبتمبر، وبدأ من ثم الاتصال بين الوفد المصري الذي أوجده خيال «لاسكاريس» الخصيب وبين الحكومة الفرنسية، والذي كانت نتيجة على نحو ما سبق ذكره، أن الباب العالي صار متأكدا من وجود تفاهم سري بين بونابرت وإبراهيم بك.
ومهما يكن من أمر هذا التفاهم السري، الذي أكد الباب العالي بصورة قاطعة في أثناء مباحثاته مع إلجين منذ 19 ديسمبر «أن هناك مراسلات سرية «بشأن التفاهم والاتفاق» بين إبراهيم بك وبونابرت عن طريق قبطي يدعى يعقوب موجود بباريس»، تدل على وجود تلك المراسلات، فقد أجاب إلجين الريس أفندي «بأن بونابرت يريد إعادة النفوذ الفرنسي في مصر على حساب تركيا، وأن الوسيلة لمنع ذلك هي الوصول إلى اتفاق ودي مع البكوات على أساس المقترحات التي قدمتها إنجلترا، أو ترك النزاع على حاله حتى إذا خرج الإنجليز من مصر استطاع الفرنسيون إنهاءه.»
Página desconocida