Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
بعثة ستيوارت
وتعين بعثة «ستيوارت» في الحقيقة آخر أدوار أو مراحل الوساطة التي بذلت الحكومة الإنجليزية في سبيلها جهودا متصلة من أيام حملة أبركرومبي سنة 1800، حتى إذا فشلت وساطة ستيوارت، وتتابعت الحوادث في مصر بعد ذلك بصورة أقنعت الحكومة الإنجليزية بأن البلاد قد وقعت فريسة للفوضى - أو الحرب الأهلية - وتعرضت أكثر من ذي قبل لخطر الغزو الفرنسي عليها بسبب جلاء الجنود البريطانية عنها، اتجه تفكير السياسيين والعسكريين الإنجليز إلى ابتكار شتى المشروعات التي تحقق أغراضهم سواء جاء تنفيذها بموافقة الباب العالي أو بالرغم منه ، وثمة ملاحظة أخرى هي أن ارتباطات هتشنسون على أساس إرجاع السيطرة الفعلية في البلاد إلى المماليك، صارت من الآن فصاعدا نقطة الارتكاز في كل الحلول أو المشروعات التي ارتأتها الحكومة الإنجليزية لتأمين الدفاع عن مصر.
وكان عقد الصلح العام في إميان في 25 مارس سنة 1802 حافزا للحكومة الإنجليزية على تجديد مسعى الوساطة؛ لأنه تحتم عليهم بموجب هذا الصلح إخلاء مصر وتسليمها للعثمانيين، فدعت الضرورة الملحة - الآن أكثر من أي وقت مضى - إلى تنظيم شئون مصر، قبل الإخلاء نهائيا، بصورة تمكن الإنجليز من تنفيذ ارتباطاتهم مع الباب العالي؛ أي إرجاع هذه البلاد إليهم، ثم تمكنهم في الوقت نفسه من الاحتفاظ «بالشرف البريطاني» وتنفيذ ارتباطاتهم أيضا مع البكوات المماليك.
واختير لهذه المهمة الجنرال السير جون ستيوارت، وهو الذي حضر المكيدة المعروفة، وقام بدور هام في إطلاق سراح بكوات القاهرة، وتراسل معه البكوات في أثناء وجود ستراتون بها، وقد غادر ستيوارت مصر بعد ذلك، وكان بإنجلترا عندما وقع اختيار حكومته عليه لهذه المهمة، وقد اتصل به المسئولون منذ أبريل سنة 1802، فاستشاره اللورد هوبارت في موضوع حكومة مصر المستقبلة، وكان رأي ستيوارت الذي أدلى به إلى حكومته في 29 أبريل هو إرجاع حكومة البكوات بروحها الحقيقية والصحيحة، فيدفعون للباب العالي خراجا يزيد زيادة كبيرة على ما كانوا يدفعونه في الماضي، وعلى أن تكون هذه الحكومة المملوكية تحت حماية بريطانيا، كما أشار بإقامة ضابط إنجليزي في مصر يشرف على تنفيذ تعهدات البكوات مهمته التدخل لضمان قيامهم بالتزاماتهم وتسلم الخراج المستحق للسلطان العثماني، وكان ستيوارت يرى في هذا الترتيب جملة فوائد؛ أولها: تجنب قيام الحرب الأهلية؛ لأنه بمجرد رحيل الجيش البريطاني من البلاد سوف يشتبك المماليك في معارك طاحنة مع الأتراك لطردهم من الوجه البحري، وثانيها: الاطمئنان إلى أن مصر في وسعها رد الغزو الفرنسي عنها، وثالثها: أن إقامة حكومة مملوكية في مصر بواسطة الإنجليز سوف يوجد بها جماعة طيعة تمتثل لإرادة الإنجليز وتخلص في رعاية مصالحهم.
فكان عندئذ أن سعت الحكومة لمعرفة مدى الارتباطات التي ارتبط بها «هتشنسون» مع البكوات المماليك، فاستشارت في هذا الشأن الكلونيل «روبرت أنستروثر » الذي تقدمت الإشارة إليه، وقد قدم هذا مذكرة إلى حكومته في 8 مايو سنة 1802 تضمنت «مشروع هتشنسون» على نحو ما ذكرناه سابقا.
وأخذت الحكومة بنصيحة «ستيوارت» فأصدرت تعليماتها إليه في 10 مايو تحدد الغرض من إرساله إلى مصر «لمحاولة عقد اتفاق ودي بين ممثلي الحكومة العثمانية في مصر وبين المماليك»، وبالرغم من احتمال فشل هذا المسعى بسبب الاستعدادات التي يقوم بها العثمانيون لمطاردة البكوات في الصعيد، فإنه من المحتمل كذلك من ناحية أخرى استمالة الباب العالي والبكوات للاتفاق الأول لأن مغادرة الجنود البريطانيين لمصر قد تحدد لها وقت معين، والآخرين يجعلهم يدركون أنه إذا لم يمكن الوصول إلى اتفاق بتوسط الإنجليز الآن، فقد يتحول النزاع بينهم وبين العثمانيين إلى حرب إبادة وفناء تقضي على الفريقين، وأما الاتفاق الذي يبدو أكثر قبولا من غيره بالنسبة لمصلحة الباب العالي وتأمين البكوات وصيانة المصالح البريطانية بطرد النفوذ الفرنسي من مصر، فهو «إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو الفرنسي» مع زيادة قيمة الخراج الذي يجب أن يدفعه البكوات في المستقبل، اعترافا منهم بحقوق السيادة التي للحكومة العثمانية عليهم»، وأما إذا رفض الباب العالي هذا الحل، فيجري حينئذ الاتفاق على إعطاء البكوات إقليم الصعيد ابتداء من جرجا جنوبا.
وطلب هوكسبري في تعليماته هذه أن يذهب ستيوارت إلى القسطنطينية في طريقه إلى مصر حتى يبلغ «إلجين» رغبات حكومته، وحتى يتضافر الاثنان في جهودهما لإقناع الباب العالي بقبول أحد هذين الحلين أو غيرهما من المقترحات التي تكفل إرجاع الهدوء والسلام إلى مصر، وذلك قبل أن يحين موعد جلاء الجيش البريطاني عنها، والذي لا تستطيع الحكومة الإنجليزية إبقاءه فيها بعد شهر يوليو؛ ولذلك فقد طلب إلى ستيوارت الذهاب بسرعة إلى الإسكندرية حتى يجد من الوقت ما يكفي لتنفيذ التعليمات ولإبحار الجنود منها.
وأرسل هوكسبري في الوقت نفسه تعليماته إلى «إلجين» حتى يسترعي انتباه الباب العالي لضرورة فحص مسألة الاتفاق بينه وبين البكوات، وحتى يوضح للأتراك مدى الأخطار التي لا مفر من تعرض مصلحة الحكومة العثمانية ذاتها لها إذا هي لم تستطع الإفادة من فرصة وجود القوات البريطانية في هذا الوقت في مصر لإنهاء الخلافات بينها وبين البكوات.
فوصل ستيوارت القسطنطينية في 19 يوليو، وكان رأي الباب العالي عند وصوله وعلى نحو ما أوضحه في مذكرة بعث بها إلى «ستراتون» منذ 8 مايو عدم السماح باسترداد البكوات لأملاكهم وأراضيهم وعودتهم إلى وضعهم السابق؛ لأن من شأن ذلك «إثارة متاعب لا نهاية لها في الحاضر والمستقبل لتركيا، ويدعو لحدوث انقلاب كلي في نظام البلاد الداخلي»، وفضلا عن ذلك فقد حددت تركيا موقفها من تدخل إنجلترا في هذه المسألة بقولها: «إن ملك بريطانيا قد أعطى تأكيدات قاطعة بأنه لا رغبة له في التدخل بأية صورة من الصور في شئون مصر الداخلية، وأن نواياه الصادقة هي ضمان عودة هذه المقاطعة إلى الباب العالي وخضوعها لتصرفه المطلق»، وعلى ذلك فقد لقي «ستيوارت وستراتون» - الذي صحبه - عند مقابلة الريس أفندي في 22 و29 يوليو رفضا باتا للمقترحات التي عرضاها عليه بشطريها: إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو الفرنسي أو إعطاء البكوات إقليم الصعيد ابتداء من جرجا جنوبا، فكان جواب الريس أفندي «إنه يستحيل على الباب العالي أن يقبل أي اتفاق يسمح للبكوات بالإقامة والبقاء في مصر، فذلك شر استمر من زمن طويل مصدر متاعب ومبعث قلق للباب العالي ومن الحكمة والسياسة استئصاله، ولا خطر على الباب العالي من قتالهم ومحاربتهم لنقص أعدادهم، ولأن استمرار المعارك سوف يبيدهم في النهاية، وكل ما يفعله الباب العالي هو أن يعفو عن جرائمهم وأن يقلدهم مناصب شرف ويجري عليهم معاشات يضاعفها لهم على شريطة أن يغادروا مصر بسلام ويذهبوا للعيش في أي بلد يريدونه»، وقد أوضح «ستراتون» سياسة الأتراك هذه، فكتب إلى هوكسبري في 3 أغسطس «أنه يبدو له أن لدى الحكومة العثمانية مبدأ أساسيا يقوم على أن بقاء وإقامة البكوات في مصر متناقض تماما مع سلطة السلطان العثماني الفعلية في هذه المقاطعة، وهم يرون أن النزاع بين الحكومة العثمانية وبين البكوات لا يدور حول ازدياد ثراء وقوة البكوات كرعايا للسلطان ، ولكن حول الفصل فيما إذا كان السلطان العثماني أو البكوات هم الذين تصبح لهم السيادة في مصر؛ ولذلك فمن رأيه؛ أي رأي ستراتون أن إبادة وفناء أحد هذين الفريقين المتنازعين هو وحده السبيل إلى إعادة الهدوء والسلام إلى مصر، وفي مثل هذه الظروف لا يمكن تحقيق مهمة «ستيوارت».»
وقبل مغادرته القسطنطينية، سلم قائمقام الصدارة الجنرال ستيوارت كتاب توصية منه إلى خسرو باشا في القاهرة بتاريخ 30 يوليو، يذكر فيه عفو الباب العالي عن البكوات وصفحه عن جرائمهم، وأن للبكوات أن يذهبوا إلى أي مكان يختارونه خارج مصر، إلى رودس أو كريت أو سالونيك أو أزمير أو جنوبها في «آيدين
Página desconocida