Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
وثمة سبب آخر منع الباشا من الاشتباك معهم في التو والساعة، فقد كان الباشا لا يزال يعمل لاستمالة عدد آخر من البكوات والمماليك، وإحداث انقسام جديد في صفوفهم يزيد من إضعافهم ووهن عزائمهم، وقد تم له ما أراد في هذه المرة أيضا.
ذلك أن مساعيه لقيت نجاحا لدى أحد البكوات الألفية، حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي، فحاول الهروب والمجيء إلى الباشا، ومع أن شاهين الألفي تنبه للأمر وقبض عليه وأهانه وسلب نعمته وكتفه وأركبه على جمل مغطى الرأس، وأرسله إلى الواحات، ولكن حسين بك لم يزل حتى احتال وهرب وحضر إلى عرضى الباشا، فأكرمه وأنعم عليه وأعطاه خمسين كيسا، واستمر عنده، وحذا حذو حسين بك، عدد من الكشاف، وحوالي العشرين من المماليك، ففروا إلى معسكر الباشا، وراحوا يؤكدون له - على نحو ما ذكر «دروفتي» في رسالته من القاهرة بتاريخ 28 يوليو - أن شاهين الألفي نفسه منذ أن تركه البكوات الأربعة، والكشاف والفرسان المماليك الذين سلموا إلى الباشا (في 28 يونيو) قد فقد كل اعتبار له عند زملائه، حتى صار يشكو بمرارة من إبراهيم بك وعثمان بك حسن، والبكوات الآخرين من بيت مراد، ويلعن اليوم الذي انضم فيه إليهم، ويريد أن يتركهم إذا صفح الباشا عنه وأعطاه إيرادات مديرية الفيوم.
فكان لهذه الأخبار التي أظهرت انقسام البكوات وأكدت أنهم ما زالوا على منافساتهم وخلافاتهم القديمة ولا يخشى لذلك من بأسهم، أعظم الأثر في تقرير محمد علي التعجيل بالهجوم عليهم، فبعث أولا برسله إلى شاهين بك يتفاوضون معه حتى يضمن شل حركته في المعركة المقبلة، وفي ليل 20 يوليو 1810 شن محمد علي هجوما عنيفا مفاجئا على المماليك في قنطرة اللاهون وانتصر عليهم.
وكان سبب هزيمة البكوات أنهم انخدعوا بما لاحظوه من حذر في عمليات الباشا منذ وصوله إلى الفيوم، فتهاونوا ولم يستعدوا الاستعداد اللازم، فعجزوا عن المقاومة عند مباغتتهم، وعقدوا العزم على إنقاذ عتادهم الحربي ومدافعهم، ولكنهم فشلوا حتى في هذا، فتقهقروا مسرعين إلى البهنسا - وهي قرية على بحر يوسف بالشاطئ الغربي - تاركين وراءهم عشر مدافع وقسما كبيرا من عتادهم، فكانت هزيمة كبيرة، وصلت أخبارها إلى القاهرة في 28 يوليو، فبادر «دروفتي» بالكتابة عن تفاصيلها إلى حكومته في اليوم نفسه، كما تحدث عن آثارها فقال: «إن معركة قنطرة اللاهون قد ملكت الباشا مديرية الفيوم بأسرها، الإقليم الغني بغلاته الوفيرة، فاستولى الباشا على كل ما وجده من مؤن بها، ثم إن هذا النصر قد حرم كذلك شاهين بك من الغلال وغيرها مما كان يأخذه من القرى بمديريتي الجيزة والفيوم، فزاد تذمره، وقوي سوء التفاهم بينه وبين إبراهيم بك، وفضلا عن ذلك فقد أكسب هذا النصر جند الباشا ثقة في قوتهم لم تكن لديهم قبل هذه المعركة.»
ولم يفرح الشيخ الجبرتي لهذا النصر، ولم يستبشر به خيرا، فاكتفى بأن سجل عن هذه المعركة الكبيرة في حوادث 28 يوليو، أن الأخبار قد وصلت «بأن الباشا ملك قناطر اللاهون، وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا، ولم يقع بينهم كبير محاربة، وأن الباشا استولى على الفيوم، وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته، ولكتخدا بك، من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك، واستولى على ما كان مودعا للمصريين من غلال بالفيوم.»
وأما البكوات فقد ادعوا أنهم لم ينهزموا في معركة قنطرة اللاهون، وراحوا يذيعون أنهم لم ينهزموا، ولم يكن تقهقرهم إلا عن خطة موضوعة؛ لأنهم لم يشاءوا التعرض لنيران مدفعية الباشا دون فائدة؛ حيث إنهم قد قرروا أن يتخيروا هم الظرف المناسب حتى يكون سبق المبادأة في أيديهم، وأنهم قصدوا بتقهقرهم المتعمد، استدراج الباشا إلى حافة الصحراء؛ حيث يستطيعون في الأرض المنبسطة إطلاق فرسانهم على جيش الباشا وإنزال هزيمة ساحقة به في مكان بعيد عن النهر، ويتعذر على فلول جيشه التقهقر إلى النيل، على أن هذه الدعاوى، كانت إيهامات كاذبة.
وانتشى محمد علي بخمرة هذا الانتصار، فبادر بالكتابة إلى الباب العالي في آخر يوليو يزف إليه بشرى هذا الانتصار على البكوات، وهو الانتصار الذي تفاءل به محمد علي واعتبره مبشرا بقرب زوال غوائلهم.
وفي الواقع استمر البكوات في تقهقرهم بعد هذه المعركة حتى وصلوا إلى كفر بهنسا، قرية على مسافة أربع عشرة مرحلة فوق جسر اللاهون، وتقع على حافة الصحراء الليبية، بدا للبكوات أنها أصلح مكان للصمود في وجه المشاة الأرنئود وقتالهم؛ حيث إن انبساط الأرض وخلوها من العقبات التي قد يجد فيها الأرنئود درعا لحمايتهم سوف يعرضهم لهجوم فرسان المماليك المتصل عليهم، ثم لنيران مدفعيتهم التي اعتمدوا عليها في المعركة المقبلة.
وعلى ذلك، فإنه ما إن ظهرت طلائع جيش محمد علي - وكان قد استأنف الزحف بعد راحة قصيرة، والجنود مشتعلون حماسا بسبب انتصارهم الأخير - حتى بادرهم المماليك بالهجوم عليهم، فدارت رحى الحرب في معارك متصلة، كل يوم تقريبا، أبدى فيها الفريقان بسالة فائقة، ووقعت أشد هذه المعارك وأحماها وطيسا في أيام 11، 18، 24 أغسطس 1810، ولكن كان لدى الباشا مدفعية متفوقة على مدفعية البكوات، ومشاته أكثر مرانا على فنون القتال من مشاتهم، وقبل كل شيء محمد علي نفسه هو الذي يختار ميدان هذه المعارك بما يكفل له تجريد خصومه من الميزة التي لهم في دربة فرسانهم وتفوقهم، فخاب فأل البكوات في هذه المرة كسابقتها، وحلت بهم الهزيمة، فقتل وأسر منهم كثيرون، وتشتت شمل جيشهم، وكان يوم 24 أغسطس هو يوم (معركة البهنسا) الفاصلة، ولاذ إبراهيم بك وعثمان بك وفلول المماليك بالفرار إلى أعالي الصعيد صوب الشلالات.
وللمرة الأولى في تاريخ جيش محمد علي، صدر بلاغ عسكري سجل هذا النصر، نقل «دروفتي» ترجمته في رسالته إلى حكومته في أول سبتمبر 1810، كما أثبت هذه الترجمة غيره من المعاصرين، ونص البلاغ ما يأتي:
Página desconocida