266

Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Géneros

فقد سأل «دروفتي» الباشا أن يبعث ببعض السفن المحملة بالغلال إلى كرفو، وأجاب الباشا سؤله، فأشرف منذ أغسطس 1811، أحد التجار الفرنسيين بالقاهرة ويدعى «منتل»

Mentel

على حركة التصدير إلى كرفو، وفي الشهر نفسه غادرت سفينة مجرية الإسكندرية إلى دمياط، لتبحر منها إلى كرفو بعد شحنها، وقد غادرت هذه دمياط في الشهر التالي محملة بالغلال، لبيعها لحساب الباشا هناك، وعقد الوكلاء الفرنسيون آمالا كبيرة على أن يتبع هذه السفينة غيرها، طالما لم يقع من يغير عواطف الباشا الطيبة، ولكنه حدث أن فضل قبطانها الذهاب بشحنته إلى سيفالونيا؛ حيث رجا الظفر بربح أوفر، ولم يسلم للمندوب التجاري الفرنسي في كرفو، وهو «ماثيو لسبس» سوى مبلغ صغير من الأثمان التي حصلها، كان على «ماثيو لسبس» أن يبتاع بها زيوتا للباشا في نظير الغلال التي أرسلها.

ولما كان «ماثيو لسبس» عند توقعه العودة إلى مصر قنصلا عاما بها، قد أعد أسلحة في ليفورنة ليحملها معه هدية إلى محمد علي، فقد قرر الآن إرسال هذه الهدية إلى الباشا؛ ضمانا لذلك الشعور الطيب الذي أبداه من حيث تصدير غلاله إلى كرفو، وحتى يزيد ورود الغلال إليها، وذلك كما قال «ماثيو لسبس» إلى جانب ما اشتراه من زيوت للباشا، بذلك القدر الضئيل المتبقي من الأثمان التي يبعث بها غلاله، ووافق وزير الخارجية الفرنسية «الدوق دي بسانو»

Bassano

على هذا الرأي، وطلب هذا بدوره من «دروفتي» في 21 مارس 1812، عند وصول هذه الهدية أن يقوم بتقديمها للباشا إذا وجد الظروف مناسبة لفعل ذلك، كدليل على ما تكنه له الحكومة الفرنسية من تقدير واحترام، وما ترجوه له من تمنيات طيبة. ثم إن الوزير لم يلبث أن أضاف إلى ذلك قوله مخاطبا «دروفتي»: «ولدي ما يحملني على الاعتقاد بأن هذا الاهتمام البادي من جانبنا سوف يكون له وقع طيب في نفس محمد علي، ولا أشك في أنك سوف تفيد من هذه المناسبة؛ لحمله على إرسال شحنات أخرى من الغلال إلى كرفو حسب وعده لك.» ثم حذر الوزير «دروفتي» بعد حادث قبطان السفينة الأخيرة، من تكليف قباطين غير موثوق بأمانتهم كل الوثوق بالذهاب بهذه الشحنات إلى كرفو.

وقد حرص «ماثيو لسبس» على أن تصل هدية الأسلحة هذه في سلام وأمان إلى الباشا، فطلب أن يبعث محمد علي بمن يتسلمها باسمه من يانينا أو بريفيسا، وأبلغ «دروفتي» محمد علي خبر هذه الهدية، فكان لهذا النبأ وقع حسن لديه، ولكن «دروفتي» الذي اعتقد أن من العبث أن يتوقع إنسان أن تقف هذه الهدية ما يظهره الباشا من صداقة وتحيز للإنجليز؛ حيث إنه يؤثر نفعه المالي على كل ما عداه عمد إلى تعليل إهدائه هذه الهدية، بأنه اعتراف من حكومته بحسن صنيعه في تموين كرفو، وتعويض له عن الخسائر التي تكبدها في هذه الصفقة. وفي كتابه إلى «الدوق دي بسانو» في نوفمبر 1812 قال «دروفتي» يبرر ما فعله: «إن هذه الطريقة - على ما يبدو له - تتلاءم وحدها مع ما يأخذ به الباشا من آراء نفعية، وفضلا عن ذلك، فإنها تبقي قائمة شكاوانا السابقة، حتى إذا حدث ما يدعو لإبرازها أمكن بعثها ضده.»

كتب «دروفتي» هذه الرسالة في 28 نوفمبر 1812؛ أي بعد أن كان محمد علي قد فرغ من تذليل الصعوبات الداخلية التي اعترضت توطيد باشويته في مصر، ثم تسنى له دعم أركان الولاية، منذ أن قضى على العناصر المناوئة لسلطانه وأجهز على البكوات المماليك في مذبحة القلعة في مارس من العام السابق - كما سيأتي ذكره - ونجح في إزالة سخط الباب العالي عنه بإنفاذ ولده طوسون باشا على رأس الحملة الموجهة لقتال الوهابيين في الحجاز. ولم يبد علاوة على هذا كله أن نابليون - وقد اندحر في غزوه لروسيا - سوف يقدر على غزو مصر مرة أخرى، ومع ذلك، فإن ما ذكره «دروفتي» لتبرير الطريقة التي أبلغ بها الباشا نبأ هدية الأسلحة، من حيث إنها تكفل بقاء الشكاوى السابقة قائمة لبعثها ضد محمد علي عند الحاجة لإبرازها لينهض دليلا على أن الفرنسيين كانوا لا يزالون يتوقعون حتى هذا الوقت المتأخر أن يغزو إمبراطورهم هذه البلاد، بل إن الإشاعات - على نحو ما أشرنا - قد ظلت قوية طوال هذه الفترة، وبخاصة في أواخر عام 1810 وأوائل العام التالي، عن توقع مجيء الفرنسيين القريب لغزو البلاد؛ ولذلك فإنه وإن كان الوكلاء الفرنسيون قد حرصوا على استبقاء صلات المودة مع محمد علي، وعنيت حكومة الإمبراطور في باريس بإظهار تقديرها واحترامها لمحمد علي، وتمنياتها الطيبة له، فقد كان من الواضح أن فرنسا لن توافق بحال من الأحوال على مشروع استقلال محمد علي.

ولقد كان لموقف فرنسا هذا من مشروع الاستقلال، إلى جانب موقف إنجلترة منه، أكبر الأثر في تقرير محمد علي أن يطرق الباب المتبقي له؛ أي اللجوء إلى صاحب السيادة الشرعية عليه، وهو السلطان العثماني، لعله يظفر منه مباشرة بذلك الوضع الذي أراده لباشويته حتى تصبح هذه وجاقا من طراز وجاقات الغرب، على أساس الاعتراف بالحكم الوراثي في أسرته. ولكنه مما يجب ملاحظته، أن هذا الاتجاه صوب تركيا قد بدأ قبل اتضاح فشل جهود محمد علي مع الوكلاء الإنجليز والفرنسيين في المسألة التي تذرع بها للظفر بمأربه، وهي أن يكون لسفنه الحق في الملاحة تحت رايته هو، أو بالأحرى تحت راية الوجاق المصري، حتى يتسنى لها التمتع بصفة المحايد فلا تتعرض لها أساطيل العدو، في حالة الحرب بين تركيا والدول الأجنبية، فقد سارت مساعيه لدى الباب العالي من أجل الحصول لباشويته على وضع مشابه لوضع وجاقات الغرب في نفس الوقت الذي جرت فيه مساعيه لهذه الغاية مع الوكلاء الإنجليز والفرنسيين في مصر.

وثمة حقيقة أخرى، فقد اتضح للباشا أثناء مفاوضته مع الإنجليز والفرنسيين، كما استطاع أن يدرك من مجريات الأمور في أوروبا، أن الدول بسبب انشغالها بالنضال العنيف مع نابليون في القارة، ما كانت تريد أن تتكدر علاقاتها مع تركيا، وهي التي أتاح لها عقد الصلح مع إنجلترة في يناير 1809، استئناف المحاولة من أجل تحقيق رغبتها؛ أي الوقوف موقف الحياد من النضال الدائر، وكان بعد لأي وعناء أن أنهت في 28 مايو 1812 معاهدة بوخارست الحرب بين تركيا وروسيا، وأدرك محمد علي أن الإقدام على انتزاع استقلاله من الباب العالي عنوة، دون أن يجد ظهيرا له من بين الدول الأوروبية، مغامرة خاسرة؛ ولذلك فقد كان لهذه الحقيقة وزن في تشكيل علاقاته مع الباب العالي، منذ جلاء الإنجليز عن الإسكندرية، إلى عام 1811؛ أي إلى نهاية هذه الفترة التي نحن بصدد دراستها. (8) الاتجاه صوب تركيا

Página desconocida