Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
182

Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Géneros

وحدث أثناء ذلك أن وردت مكاتبة من رشيد وعليها إمضاء السيد حسن كريت بعث بها في 11 أبريل ووصلت إلى القاهرة في 14 منه، ويخبر فيها حسن كريت بأن الإنجليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله، ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر، وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس، ثم يقول: وقد أرسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء، وما عرفنا لأي شيء هذا الحال، وما هذا الإهمال، فالله الله في الإسعاف، فقد ضاق الخناق، وبلغت القلوب الحناجر، من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس، وكانت هذه الرسالة معنونة باسم السيد عمر مكرم النقيب والمشايخ.

فاهتم الباشا اهتماما بالغا حتى إنه اعتزم السفر بنفسه وركب إلى بولاق وصحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك، ولكن الباشا لم يسافر وخرج أجناد كثيرون، ولو أن معظم هؤلاء ما كانوا يتعدون منية السيرج وشبرا أو الزاوية الحمراء والمطرية والأميرية، يعتدون على الأهالي ويأكلون مزروعاتهم ويخطفون مواشيهم ويعتدون على الأهلين، ومنهم من كان لا يسير إلى أبعد من بولاق ذاتها وجزيرة بدران، ثم يعود أكثر هؤلاء إلى القاهرة، فقال الشيخ الجبرتي: «إن الأجناد في الجهات التي ذهبوا إليها أكلوا زروعات الجميع، وخطفوا مواشيهم، وفجروا بالنساء، وافتضوا الأبكار، ولاطوا بالغلمان وأخذوهم وباعوهم فيما بينهم، حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره»، وعلق الشيخ على ذلك بقوله في مرارة: «وهكذا يفعل المجاهدون! ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح أفعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من أي جنس كان، وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريقة يمشون عليها، فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم، فيزداد حقدهم، وعدوانهم ويقولون: أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين؛ لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى، ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح أفعالهم.» وكان مرتكبو هذه الفعال الجنود الحاضرون من الصعيد بعد إخلائه لا سيما جنود حامية المنيا الذين كانوا مع أحمد أغا لاظ أوغلي، وقد أوجبت هذه الحال بقاء الباشا في القاهرة لمعالجة مسألة هؤلاء الجند الذين كانوا يطالبون بمرتباتهم المتأخرة، وقد ذكرنا كيف أنه ألزم عمر مكرم بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر، أما الجند الذين ساروا مع كتخدا بك «طبوز أوغلي» وحسن باشا وتحت قيادة الأول فكانوا أربعمائة من المشاة وألفا وخمسمائة من الفرسان، وساروا جيشا واحدا حتى وصلوا إلى منوف، ثم انقسموا بعد ذلك إلى فريقين، فعبر حسن باشا بفريق منهما النيل ليسير على الشاطئ الأيسر للنهر، بينما استمر كتخدا بك يسير على الشاطئ الأيمن ووجهة الجيشين رشيد.

وكان الباشا قد طلب إلى السيد عمر مكرم والمشايخ أن يكتبوا إلى البكوات القبالي يستحثونهم على التعجيل بالحضور إلى الجيزة لإبرام الصلح النهائي، فأرسل هؤلاء جوابا وصل القاهرة في 20 أبريل يعتذرون فيه بأن السبب في تأخرهم أنهم لم يتكاملوا، وأن أكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره، وأنهم إلى الآن لم تثبت عندهم حقيقة الأمر؛ لأن من الثابت عندهم صداقة الإنجليز مع العثماني من قديم الزمان، وأن المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الإنجليز، ولا جدال في أن البكوات قد تعمدوا المغالطة في أجوبتهم هذه؛ لأن رسائل «مسيت» إليهم كانت قد أوقفتهم على الحقيقة، وقد تقدم كيف أن إبراهيم بك وشاهين بك الألفي قد أجابا عليها في أول أبريل بما يفيد أنهما كانا يعرفان بقطع العلاقات، وقيام الحرب بين تركيا وإنجلترة، وبأغراض الحملة التي أرسلها الإنجليز إلى مصر كما فسرها «مسيت» لهم، على أن المقصود من هذه المغالطة من جانبهم كان ولا شك كسب الوقت حتى تستبين لهم نتائج هذه الحملة الإنجليزية، ثم إن الانقسام الذي فرق كلمتهم، والذي أشرنا إليه سابقا، جعلهم عاجزين عن اتخاذ قرار حاسم في مسألة الصلح النهائي مع محمد علي، ولما كانوا يؤثرون الإبطاء في تقدمهم لاعتقادهم خطأ أن في ذلك صالحهم للأسباب التي ذكرناها، وأهمها عدم التورط مع محمد علي في اتفاق نهائي قد يفوت عليهم الانتفاع من آثار انتصار الإنجليز لو قدر لهؤلاء النصر، فإنهم حتى يوم 20 أبريل لم يكونوا قد تعدوا المنيا، وقد كان هناك أن ذهب إليهم مصطفى أفندي كتخدا القاضي، وهو الذي حضر المفاوضات السابقة بينهم وبين المشايخ الثلاثة، يحمل إليهم المراسيم التي وردت في شأن - التحذير والتحفظ - وفيها ذكر الإنجليز ومنابذتهم للدولة، وكان مصطفي أفندي قد سافر إليهم بهذه المراسيم في صبح هذا اليوم (20 أبريل).

ثم إن الباشا طلع في هذا اليوم إلى القلعة وصحبته قنصل الفرنساوية «دروفتي» يهندس معه الأماكن ومواطن الحصار، وعاون «دروفتي» الباشا معاونة صادقة في تدبير تحصين القاهرة، فوصف الشيخ الجبرتي ما أبداه من نشاط وقتئذ بقوله: «والقنصل المذكور يظهر الاهتمام والاجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح، ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وأمامه الخدم وبأيديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه وأتباعه»، وقد بذل الباشا جهدا صادقا في تحصين القاهرة بمعاونة «دروفتي»، فأصلحت الأسوار وأعيد ترميم خط التحصينات أو الخندق الذي كان الفرنسيون قد أقاموه أيام حملتهم، وأقيمت المتاريس على طول الخط من قلعة «كامان»

Camin

باب الحديد حتى بولاق، ثم أقيم متراسان كبيران نصبت بجوارهما مدافع الحصار لحماية الأماكن المكشوفة، كما وضعت بطريات مدفعية على الجزيرة في النهر أمام إمبابة، وأغرقت المراكب في عرض النيل بين شاطئيه لمنع الملاحة.

وفي 23 أبريل عملوا ديوانا ببيت القاضي، اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية وقرءوا مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنجليز إلى الإسكندرية، مضمونه ضبط تعلقات الإنجليز وما لهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر (القاهرة) والثغور، وقد وقع تحت طائلة هذا المرسوم كل من «البطروشي»، و«روشتي» في ظروف سوف يأتي ذكرها، وبعد هزيمة الإنجليز في حملتهم الثانية ضد رشيد ثم انزوائهم بالإسكندرية والتحصن بها، فقد وصلت الأنباء إلى القاهرة في هذا اليوم نفسه (23 أبريل) عن هزيمة هؤلاء عند الحماد هزيمة منكرة. (9) محاولة الإنجليز الثانية ضد رشيد

فقد أصابت هزيمة رشيد سمعة الجيش البريطاني بضربة ماحقة كما قدمنا، ولم يكن من المنتظر أن يرضى «فريزر» وسائر القواد بما أصاب سمعة الجيش وخدشها، وألا يحاولوا غسل الإهانة التي لحقت به، وكان «مسيت» بطبيعة الحال أعظم تشوقا من هؤلاء القواد للانتقام من هزيمة رشيد، وهو الذي بنى كل خططه على نجاح عمليات الحملة العسكرية، واتساع نطاقها في الدلتا خارج الإسكندرية حتى يستطيع جذب البكوات للحضور من الصعيد، وتأييد حلفائهم في مجهود قوي متحد لطرد الأرنئود ومحمد علي وإعادة تأسيس الحكومة المملوكية في القاهرة تحت حماية بريطانيا، فكان في بقاء الجيش بالإسكندرية بعد هزيمته في رشيد القضاء على كل آماله؛ ولذلك فقد راح «مسيت» يلح على «فريزر» بمجرد عودة الجيش المنهزم إلى الإسكندرية في ضرورة إعادة الكرة، وتجديد محاول إخضاع رشيد، واستند فيما أراده على نفس الدعوى التي استند عليها عند المحاولة الأولى، وهي أن الاستيلاء على رشيد والرحمانية ضروري لمنع حدوث المجاعة في الإسكندرية، ثم إنه أيد دعواه هذه بأن جعل الشوربجي سيدي قاسم غرياني رئيس القضاة بالثغر يطالب باسم أهل الإسكندرية عموما باحتلال رشيد؛ حيث إنه لا مفر من انتشار المجاعة بالإسكندرية بسبب احتلال الجيش لها إذا لم يبادر الإنجليز بالاستيلاء على رشيد التي تمون منها الإسكندرية، ولما كان «فريزر» يخشى مما سوف يتركه تخلي الجيش عن أخذ رشيد من أثر سيئ في أذهان العربان وغيرهم من الجماعات المناصرة للإنجليز، فقد قرر اتخاذ هذه الخطوة، ولكن «فريزر» أدرك في الوقت نفسه أنه مقدم على عمل خطير؛ لمخالفة ذلك للتعليمات التي لديه والتي خرقها في حملته الأولى دون جدوى، ولأن قواته قد حدثت بها ثغرة بعد الهجوم الفاشل ضد رشيد، ولأنه كان يتوقع بسبب هذه المحاولة الثانية التي أزمع عليها أن يتسع نطاق عملياته العسكرية في الدلتا والاشتباك مع ما قد يأتي من قوات لنجدة رشيد، وذلك كله إلى جانب ضرورة احتفاظه بالإسكندرية ذاتها الغرض الأساسي من مهمته؛ وعلى ذلك، فقد طلب «فريزر» من «مسيت» الإجابة رسميا على طائفة من الأسئلة المحددة كان الغرض من وضعها والحصول على جواب «مسيت» عليها - والأخير هو الذي أوصت تعليمات 21 نوفمبر 1806 بالإصغاء إلى آرائه - تبرير إنفاذ هذه الحملة الثانية إلى رشيد، ثم إن «فريزر» راح يطلب من «وندهام» وزير الحربية البريطانية إرسال النجدات إليه .

أما عن الأسئلة التي قدمت إلى «مسيت» والإجابات التي أدلى بها هذا الأخير، فقد سجلت هذه الأسباب التي دعت إلى إرسال هذه الحملة، في قول «مسيت» وتأكيده بأن امتلاك رشيد وقلعة جوليان ضروري لنقل المؤن التي تؤخذ من الأماكن المجاورة إلى الإسكندرية؛ حيث إن الاستيلاء على رشيد وقلعة جوليان يمكن من السيطرة على مصب النيل الغربي، وأنه من المتعذر الاحتفاظ بهذين الموقعين بصورة تضمن الاستفادة منهما في تموين الإسكندرية من غير امتلاك الرحمانية، وأن ناحية الرحمانية تمد الإسكندرية بالعجول والأغنام والشعير، ثم إن امتلاك الرحمانية من شأنه إحكام السيطرة على القرى الواقعة بينها وبين رشيد، وتكفي قوة من سبعمائة وخمسين رجلا فحسب للاحتفاظ بهذه المواقع الثلاثة: رشيد وقلعة جوليان والرحمانية بعد أخذها، وليس هناك من وسائل الدفاع عن الرحمانية سوى قلعة صغيرة على النيل، وأجاب «مسيت» بالنفي قطعا عند سؤاله: إذا كان في استطاعة الجند البريطانيين وسكان الإسكندرية العيش بها من غير احتلال هذه المواقع الثلاثة، ثم أجاب على سؤال آخر بقوله: إن الماء منقطع عن الإسكندرية الآن بسبب القطع الذي أحدثه الألفي بك في القناة التي تمدها بالمياه، وأن الإسكندرية سوف تكون في حاجة إلى الماء إذا لم يصلح هذا القطع، ثم أكد «مسيت» أخيرا أنه يرى من الواجب احتلال دمياط وذلك لمنع نزول الجنود الأرنئود الذين تأتي السفن باستمرار محملة بهم إليها، فيتدفقون على مصر من هذا الميناء، وفضلا عن ذلك فقد يكون من نافلة القول إلى جانب ذلك أن المماليك أنفسهم يتوقعون أن يحتلها الجنود البريطانيون.

وقد بعث «فريزر» بهذه الأجوبة على أسئلته إلى «وندهام» في 7 أبريل، ثم قال إنه إنما فعل ذلك حتى يبرهن لوندهام، وذلك بالإضافة إلى ما ذكره في رسالته إلى هذا الأخير بتاريخ 27 مارس - وقد ذكرناها في موضعها - أن العمليات السابقة والحالية ضد رشيد والأخيرة كان قد بدئ بها - كما سنرى - منذ 3 أبريل لم يبدأ في اتخاذها دون إمعان النظر العميق وبحث كل الاعتبارات المتصلة بها من جانبه؛ أي جانب «فريزر»، بل على العكس من ذلك فإنه لم يقدم عليها إلا بعد اقتناعه التام بضرورتها، وكما أظهر هذه الضرورة (الميجور «مسيت») المقيم البريطاني بالإسكندرية وهو الذي طلبت مني التعليمات المعطاة إلي الإصغاء لما يقوله، ثم اختتم «فريزر» رسالته بقوله : إن هذه الحقائق التي ذكرها من شأنها أن تزيد من قوة مطالبته السابقة بإرسال نجدات لتعزيز جيشه؛ لأن ما جاء في رسالته ينهض دليلا على ما هنالك من ضرورة لتقسيم قواته وتوزيعها من أجل إبقاء فرق من جيشه بصورة مستمرة في رشيد وقلعة جوليان والرحمانية، وذلك إلى جانب استخدام قسم من الرجال في إصلاح وامتلاك القطع الذي أحدثه الألفي بك في قناة الإسكندرية بالقرب من دمنهور، علاوة على احتلال دمياط، الأمر الذي يعتقد «مسيت» أنه ضروري كذلك.

Página desconocida