Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
144

Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Géneros

وواصل «مسيت» وساطته بين محمد علي والألفي، فكتب إلى الأخير في 30 أكتوبر أن الباشا قد فوضه إبلاغه رغبته في عقد معاهدة سلام معه أي الألفي ويريد معرفة الشروط التي يتم عليها الصلح، كما أنه ينبغي عقد معاهدة مع البكوات بأجمعهم، وقال «مسيت» إنه ذكر لمحمد علي أن في استطاعته (أي محمد علي) أن يعقد أولا الصلح مع الألفي، على أن يستخدم هذا نفوذه من أجل إبرام المعاهدة المنشودة بين محمد علي وسائر البكوات، ثم إنه ما لبث أن كتب في 2 نوفمبر إلى يوسف عزيز أنه استطاع بعد لأي وعناء أن يحمل الألفي على بيان الشروط أو الثمن الذي يرضاه لعقد السلام بينه وبين محمد علي، ولكنه يرى مطالبه غير معقولة لدرجة أن صار يخشى من عدم جدوى الاستمرار في مساعيه؛ لأن الألفي يقول: إن هناك طريقين للوصول إلى الصلح، فإما أن يقبل الباشا دخول الألفي إلى القاهرة وعندئذ لا يطلب هذا الأخير لعيشه هو وأهله سوى قراه التي يمتلكها، وإما أن يرفض الباشا دخوله القاهرة وفي هذه الحالة يطلب الألفي مديرية البحيرة، وجزيرة السبكية ورشيد، وأن يسمح له بهذه السنة فقط بتحصيل إتاوات معتدلة من الشرقية والمنوفية، وهو إنما يتقدم بهذا المطلب الأخير مرغما لحاجته إلى المال الذي يدفع منه مرتبات رجاله وجنده المستحقة عليه عن جملة شهور، وفضلا عن ذلك، فإن الألفي يتعهد بملاحظة ارتباطاته مع محمد علي بإخلاص، ويقترح إرسال مندوب من قبل محمد علي وآخر من قبله هو إلى القسطنطينية بمجرد عقد الصلح لإبلاغ الباب العالي بهذا الترتيب الجديد، كما أنه يتعهد إلى جانب هذا ببذل قصارى جهده لإقناع سائر البكوات في الصعيد بعقد الصلح مع محمد علي باشا، وأن يستخدم كل ما لديه من نفوذ وسمعة عند الباب العالي حتى يمكن محمد علي من الاحتفاظ دائما بولايته في مصر، وقال «مسيت»: إن هذه كانت المقترحات التي خوله الألفي تقديمها باسمه إلى الباشا، ثم استطرد يقول: وقد أبديت ملاحظتي لترجمان الألفي على هذه الشروط بأنها صعبة، ويخشى أن لا يقبلها محمد علي، ومع ذلك فمن المحتمل إقناع الألفي بتخفيف هذه المطالب شيئا إذا وجد عزيز أن الباشا مصمم على قراره، ثم اختتم رسالته بقوله إنه يجب عليه إبلاغ محمد علي باشا بأن الألفي يبغي الذهاب إلى الشرقية بعد عيد الفطر أوائل يناير 1807 إذا لم يعقد الصلح مع محمد علي قبل هذا التاريخ.

بيد أنه وقت كتابة هذه التعليمات 2 نوفمبر 1806 كانت أزمة النقل إلى سالونيك قد انتهت بسلام، وكان الباشا منذ أن اطمأن خاطره من قضية القبودان والعزل قد شرع منذ أواخر سبتمبر في تجهيز الجند واتخاذ العدة لإرسالهم إلى الدلتا ضد الألفي، وإلى الصعيد ضد البكوات الآخرين، وكان هؤلاء منذ أن رفضوا عروض سليمان أغا عليهم، وامتنعوا عن دفع شيء من المبلغ المطلوب، ثم رفضوا عروض الباب العالي الأخيرة وهي إقطاعهم الأقاليم الممتدة من جرجا إلى الشلالات قد انسحبوا من مراكزهم الأولى فأخلوا في سبتمبر منفلوط وملوي، وتحصنوا في أسيوط وجزيرة منقباط، وكان في عزمهم أن ينتظروا ريثما ينتهي فصل الفيضان ثم يستأنفوا عملياتهم العسكرية ضد جند الباشا، فانتهز هؤلاء الفرصة واحتلوا الأماكن التي أخليت، وعندئذ رفض محمد علي باحتقار عروض الألفي، فكتب «مسيت» إلى «أربثنوت» في 17 نوفمبر أنه وصله في صبيحة هذا اليوم فقط جواب الباشا على مطالب الألفي الغير معقولة، وقد جاء فيه أن الباشا يرى منها ما يدل على أن الألفي إنما يبغي مواصلة الحرب، وكان من رأي «مسيت» أن الألفي عندما يبلغه هذا الرفض سوف يجد نفسه ملزما على إنقاص مطالبه التي اشتط فيها كثيرا، وكان الذي جعل «مسيت» يتوقع حدوث ذلك أن الألفي كان قد صار عاجزا تماما عن إخضاع دمنهور ومن المنتظر لذلك أن يرفع عنها الحصار قبل مضي وقت طويل.

على أن سفر القبطان باشا في 18 أكتوبر، ثم فشل المفاوضة التي دارت أخيرا على يد «مسيت» أو بواسطته مع محمد علي، لم ييئسا الألفي الذي نقل كل قواته حول دمنهور ثم شرع يضيق عليها الحصار بقسوة بالغة، حتى إن الوكلاء الفرنسيين صاروا يتوقعون - كما ذكروا في 12 نوفمبر - أن المدينة سوف تسقط لا محالة هذه المرة إذا لم يرسل الباشا النجدات إليها بكل سرعة، وانفتح باب أمل جديد أمام الألفي عندما بدأ معه «روشتي» بوصفه ممثلا لروسيا ووكيلا لها في مصر مفاوضات من أجل توسيط روسيا في إنهاء النزاع بين البكوات والباب العالي، واستئناف المساعي من أجل عقد اتفاق جديد بين الألفي والديوان العثماني.

وكان «بتروتشي» أو «بطروشي» الوكيل الإنجليزي برشيد أول من كشف حقيقة هذه المساعي وبواعثها بفضل المعلومات التي أرسلها له من معسكر الألفي كاتبه «أندريا»

Andrea

وكان مقيما بالمعسكر في خدمة الألفي، فنقل «البطروشي» خبر هذه المساعي إلى «مسيت» بمجرد أن علم بها، ثم عاد فذكر له ما وقف عليه من تفاصيلها في كتاب بعث به إليه من رشيد في 23 نوفمبر 1806، وتفصيل المسألة أن «روشتي» قنصل النمسا والروسيا العام في مصر أوفد كاتبه أو كاتم أسراره سكرتيره الخاص السيد «رفائيل»

Raffaelli

بطريق طرانة لمقابلة الألفي في معسكره مزودا بتعليمات لدعوة البكوات إلى تقديم طلب إلى الروس يرجون فيه وساطتهم بينهم وبين الباب العالي؛ كي يظفروا منه بما لم يتمكنوا من الحصول عليه عن طريق وساطة الإنجليز، وحتى يؤكد لهم أنهم لو كانوا قد خاطبوا روسيا في ذلك من مبدأ الأمر بدلا من اللجوء إلى بريطانيا العظمى لكانوا اليوم بلا شك ولا ريب يملكون مصر ولا ينازعهم فيها منازع، وقد لقيت هذه المقترحات ترحيبا كبيرا لدى بكوات الألفي وأحيت آمالهم وأغرتهم على طلب المساعدة من روسيا، وقد استقى «أندريا» هذه المعلومات التي بعث بها إلى «البطروشي» من شاهين بك نفسه، وكان من رأيه أن ما حدث وهو حقيقة واقعة يحمل الإنسان على الظن بأن نفوذ روسيا في القسطنطينية متفوق على نفوذ إنجلترة، ولو أن «البطروشي» كان يعزو ما حدث إلى نشاط «روشتي» الخاص، عندما كان مقصد الأخير الفوز بسمعة طيبة لدى البكوات في معسكر الألفي وخدمة مصالحه، وجعله ذلك يؤيد هذه الفكرة الخاطئة القائلة بتفوق النفوذ الروسي على النفوذ الإنجليزي في القسطنطينية، وكان بناء على هذه المقترحات إذن من جانب «روشتي» أن وقع اختيار شاهين بك الألفي على جوقة داره أو تابعه محمد أغا للذهاب مع «رفائيل» إلى القسطنطينية لطلب وساطة روسيا، ثم في الوقت نفسه لشراء مماليك جدد من العاصمة العثمانية، ووصل هذان إلى رشيد في 22 نوفمبر في طريقهما إلى الإسكندرية، وبادر «مسيت» بإرسال كتاب «البطروشي» إلى السفير الإنجليزي بالقسطنطينية في 25 نوفمبر، واهتم بإظهار البواعث التي حملت «روشتي» على القيام بهذه الخطوة، فقال: إن «روشتي» الذي هو القنصل العام لروسيا والنمسا قد التزم من حكومة الباشا باحتكار جملة فروع من مصادر الإيرادات العامة، كما أن له نشاطا كبيرا في تجارة مصر الداخلية، ويجعله هذا الوضع في حاجة ملحة إلى سؤال الباشا وكبار رجال الحكومة خدمات كثيرة، الأمر الذي يعجزه عن معارضة إرادة هؤلاء ورغباتهم، حتى إنه كلما طلبت الحكومة قروضا من الرعايا أو المستأمنين (المحميين) النمساويين والروس، أو فرضت إتاوات عليهم، صار «روشتي» أول من يذعن لإجابة مطالبها، ويحذو حذوه في ذلك لأسباب سياسية الوكيل الفرنسي، كما يفعل ذلك اضطرارا وكلاء الدول الصغيرة لعدم جدوى معارضتهم، وما من مرة نال فيها «روشتي» تصحيحا لما وقع من افتئات على الامتيازات التي من حقه التمتع بها، إلا وكان ذلك بمثابة مكرمة يبتاعها ابتياعا من رجال الباشا، وبينما يخضع خضوعا تاما لإرادة محمد علي فهو لا ينقطع من ناحية أخرى عن التآمر مع المماليك الذين يعطيهم الأسلحة والملابس، ثم قال «مسيت»: إن ما جاء في خطاب «البطروشي» من شأنه توضيح حقيقة ذلك كله ومبعث نشاط «روشتي» الأخير؛ لأنه أي «مسيت» لا يعتقد أن لديه أية تعليمات من روسيا للعمل على إنقاص نفوذ الإنجليز في القسطنطينية أو القيام بنشاط مضاد لمصالحهم.

وكان بعد يوم واحد من كتابة ما سبق إلى السفير الإنجليزي بالقسطنطينية أن بعث «مسيت» إليه - في 26 نوفمبر - يقول: إن ترجمان الألفي «ستافراكي» قد وصل إلى الإسكندرية في صباح اليوم نفسه من معسكر الألفي، وإنه (أي الترجمان) يؤيد ما ذهب إليه «البطروشي» فيما يتعلق بمهمة جوقه دار شاهين بك، ولكنه يؤكد أن الألفي نفسه لا علم له بنشاط شاهين بك هذا، وقد علق «مسيت» على ذلك بقوله: ولكنه لما كان هذا الترجمان مالطيا، ويخدم مصالحنا بإخلاص، فمن غير المحتمل أن يطلعه سيده أي الألفي على حقيقة شعوره ونواياه في هذه المسألة؛ أي مسألة الاستعانة بوساطة روسيا لدى الباب العالي، كما أن «مسيت» استطرد يقول: وعلاوة على ذلك فإن الألفي الذي كان من بضعة أسابيع مضت قد أعلن عزمه على الصلح مع محمد علي، قد صار الآن مصمما على متابعة الحرب ويرفض أي صلح أو تسوية معه، ثم تساءل وألا يكون مبعث ما طرأ من تبدل على قراراته ما يعقده من آمال على المساعدة الروسية المنتظرة؟ وأما محمد أغا و«رفائيل» فقد بلغا الإسكندرية في 25 نوفمبر، واستطاع الوكيل الفرنسي «دروفتي» أن يقف على حقيقة المهمة الذاهبان من أجلها إلى القسطنطينية، فقال في رسالته إلى «سباستياني» السفير الفرنسي بالقسطنطينية في 26 نوفمبر إنه كان قد نما إليه من بضعة أيام مضت أن مندوبا من قبل «روشتي» كان في معسكر الألفي وعقد معه عدة اجتماعات سرية، وأنه أي «دروفتي» علم بفضل ما وقف عليه نتيجة لاستقصائه هذه المسألة أن «روشتي» قد تقدم إلى الألفي بمقترحات معينة تهدف لوضعه تحت حماية بطرسبرج وتمكن روسيا من التدخل في شئون مصر، وأن محمد أغا ورفائيل إنما يريدان الذهاب إلى القسطنطينية حتى يحصلا من السفير الروسي هناك على تعليمات نهائية، ثم استطرد «دروفتي» يقول: ويعيد هذا الحادث على الذاكرة مهمة البارون «دي توناس»

de Thonus

Página desconocida