Egipto en el amanecer del siglo XIX 1801-1811 (Parte I)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Géneros
فقد استعادت السياسة الفرنسية نشاطها في القسطنطينية بعد فترة طويلة من الركود سارت في أثنائها المفاوضات لعقد المعاهدة التركية الروسية دون أية عراقيل من جانب ممثلي فرنسا بالقسطنطينية، حتى إذا بادر «تاليران» الآن بالكتابة في 25 أغسطس إلى «روفان» الذي حل محل «باراندييه» في القيام بأعمال السفارة الفرنسية بعد استدعاء الأخير منذ أواخر يوليو، يطلب إلى «روفان» تحذير الباب العالي من عقد هذه المعاهدة المنتظر أن يسيء إبرامها إلى العلاقات بين فرنسا وتركيا، كانت المعاهدة عند وصول هذه التعليمات إلى «روفان» قد أبرمت، ووعد الباب العالي بالتسويف والمماطلة لتجنب التصديق عليها.
وتضافرت أسباب عدة لتبدل موقف الباب العالي؛ فقد خشي أن يكون الغرض من وصول القوات البريطانية بقيادة «جيمس كريج» إلى البحر الأبيض إعداد حملة في مالطة لغزو مصر، ثم ما لبثت أن وردت الأخبار معلنة انتصار نابليون على النمسا في «أولم»
Ulm
في 20 أكتوبر ثم في «أوسترليتز»
Austrlitz
في 2 ديسمبر، وقد وصف «روفان» الأثر الذي أحدثه هذا الانتصار الأخير في الديوان العثماني، فقال: «إن شمس «أوسترليتز» قد بددت سحب الطرف الآخر وشتتتها.» وكان «نلسن» قد أحرز نصرا باهرا في هذه المعركة البحرية على أسطولي فرنسا وإسبانيا مجتمعين في 21 أكتوبر من العام نفسه، ودفع حياته ثمنا لهذا المجد الذي ناله، ثم ارتفع شأن فرنسا عندما أرغمت النمسا على عقد صلح «برسبورج»
في 26 ديسمبر فاعترفت بمملكة إيطاليا التي كان نابليون قد أنشأها، بل وتنازلت عن البندقية ودلماشيا وأوستريا كي تضم جميعها إلى هذه المملكة. وكان من أثر كل هذه الحوادث، وبخاصة هزيمة النمسا في «أوسترليتز» أن صار لزاما على روسيا دعوة جندها للتأهب والاستعداد عندما توقعت أن يبادر نابليون بتسديد ضربة قاتلة إلى بولندة وأن يشرع في الزحف عليها لفتحها، ففقدت الكثير من احترامها السابق في أعين الوزراء العثمانيين، زد على ذلك أن «تاليران» لم يلبث أن كتب إلى الريس أفندي غداة صلح «برسبورج» أن تنازل النمسا عن الأراضي التي ضمت إلى مملكة إيطاليا من شأنه أن يجعل (لحسن الحظ) إمبراطور الفرنسيين قريبا من أملاك الباب العالي، ويؤدي - كما قال - إلى تحقيق رغبة الإمبراطور في توطيد صلات المحبة مع السلطان العثماني، ودعم العلاقات بين أملاكه وأملاك الدولة العثمانية، وسهل على «روفان» في هذه الظروف أن يحصل من الباب العالي على الاعتراف المطلوب بلقب نابليون إمبراطورا على الفرنسيين في أول فبراير 1806، ونصح «أربثنوت» لحكومته بأنه لا سبيل لإرغام الأتراك على احترام عهودهم مع روسيا وتجديد محالفتهم مع إنجلترة إلا بإثارة الخوف في نفوسهم من أن تعمد الجيوش الروسية إلى مهاجمة الدولة والدخول في أراضيها، يؤازرها في عملياتها العسكرية أسطول إنجليزي، وطلب مجيء أسطول إلى مياه القسطنطينية، وإنذار الأتراك بأن تجاهلهم لروسيا ومضيهم في الغض من كرامتها سوف تعده إنجلترة عملا عدوانيا موجها ضدها، وتدخل المبعوث الروسي لدى الديوان العثماني حتى يعقد الباب العالي المعاهدة مع إنجلترة، ويظهر رغبته - عملا بروح المعاهدة الروسية العثمانية - في دفع ذلك الهجوم الذي توقع الروس أن يأتيهم من جانب فرنسا.
ولكن الباب العالي وقد نفض عنه ثوب المذلة والمسكنة، وتحرر بفضل انتصارات نابليون على خصومه من الخضوع لروسيا وحلفائها الإنجليز، لم يعر احتجاجات «ديتالنسكي» وزميله «أربثنوت» أي التفات، ونشطت استعداداته العسكرية، وتذرع بشتى الوسائل للتخلص من إبرام المعاهدة مع الإنجليز، وقرر عدم تجديد محالفته معهم حتى يستقر السلام العام، ويتم الصلح بين فرنسا وإنجلترة الدولة التي صارت بمفردها الآن في عداء مع الإمبراطور، فيتسنى عندئذ للباب العالي الدخول في ارتباطات جديدة مع إنجلترة دون خطر عليه منها، ونفى أن استعداداته العسكرية موجهة ضد روسيا، كما أكد رغبته في الإبقاء على علاقات المودة والصفاء مع إنجلترة، وكتب السلطان إلى القيصر بسبب إلحاح السفير الإنجليزي، حتى يبدد الشكوك التي ساورت روسيا من ناحية استعدادات العثمانيين العسكرية.
وكان من الواضح أن ما فعله الباب العالي لم يقصد به سوى التمويه وكسب الوقت، وأن نفوذ روسيا في القسطنطينية قد وصل إلى الحضيض، وأن الباب العالي في الظروف القائمة لن يجدد المحالفة مع إنجلترة، ووجدت روسيا على وجه الخصوص أن اعترافه باللقب الإمبراطوري لنابليون ثم امتناعه عن إبرام المحالفة مع إنجلترة علاوة على استعداداته العسكرية على الحدود الروسية التركية، كل أولئك براهين ساطعة على سوء نواياه، وتقتضي عملا حاسما من جانبها، وهددت في أبريل 1806 باجتياز جيوشها للحدود العثمانية، ولكن دون طائل، بل إن تركيا ما لبثت أن عارضت في مرور جند من الروس أرادت روسيا إرسالهم بحرا بطريق البوغازات إلى جزر الأيونيان، ثم ألغت بجرة قلم واحدة كل ما كان يتمتع به الرعايا الروس من امتيازات في الإمبراطورية العثمانية من عهد بعيد، وتوسط «أربثنوت» في منع الأتراك من اتخاذ أي إجراء يثير غضب روسيا، واستمع الأتراك لوساطته عندما هدد السفير بأن الحرب بين روسيا وتركيا سوف يتبعها حتما إغارة الأسطول الإنجليزي الرابض في البحر الأبيض على أملاك تركيا المطلة عليه، ومع ذلك فقد ظل الباب العالي حتى شهر يوليو يرفض مرور الجند الروس من البوغازات إلى «كورفو».
وزاد تمسك الباب العالي بموقفه عندما وصل السفير الفرنسي الجديد «سباستياني» - صاحب البعثة المعروفة إلى تركيا ومصر قبل ذلك بأربع سنوات - إلى القسطنطينية في 10 أغسطس 1806، فاستقبله الباب العالي بحفاوة بالغة، وأذاع «سباستياني» أن غرض حكومته حماية الباب العالي من مؤامرات أعدائه، وإقناعه باتخاذ قرار حاسم من أجل الوقوف إلى جانب فرنسا ضد أعدائها وأعدائه، الروس والإنجليز، ثم أذاع أن دولته قد أنزلت الهزيمة بالروس أمام «راجوزا»
Página desconocida