والشعب المصري مسالم بطبعه وطبيعته .. قد يتشاجر، ولكن الشجار ينتهي بالقبلات والأحضان، عاملا بقول بعضهم «لا محبة إلا بعد عداوة» .. فالمحبة غاية وهدف، وهي أمل منشود، يتبعه في حياته صغيرا وينشده كبيرا .. وهو لا يؤمن بالعداء ويؤثر عليه السلام والأخوة .. وأكبر دليل على صدق ذلك، مبادرة السلام العالمية التي تقدم بها الرئيس المؤمن محمد أنور السادات، فهزت العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأثنت عليه من أجلها جميع دول الدنيا، وتحدثت عنها كافة صحف العالم، وعرفوا أن شعب مصر بحق شعب سلام ووئام، فحتى شعب العدو نفسه شهد بمحبتنا للسلام وقام يتظاهر ضد رئيس وزرائه، معترفا بأصالة شعب مصر المسالم الذي يعرف حق الجار والجوار، والذي يضع نصب عينيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى خيرا بسابع جار .. هذا ما يؤمن به المصريون جميعا «مسيحيين ومسلمين» .. حب الجار وحب الجوار وحب السلام بين الناس والأصدقاء، وبين الأقارب وبين أهل البيت الواحد وبين أبناء الوطن الواحد .. وهكذا نرى السلام والمحبة لدى المصريين دينا وعقيدة يؤمنون بهما، ويعملون على استمرارهما في صدق وإخلاص.
وشعب مصر شعب ممتاز، له طباع تميزه عن سائر شعوب الدنيا .. فهو يتصف بالشهامة والرجولة والمروءة، لا يعرف الخسة ولا النذالة ولا الجبن .. تزامله فتلقى منه كل ترحيب وترحاب، وتعامله فتجد منه أنبل معاملة، وتستشيره فيمنحك المشورة المجدية الصادقة، وتستنجد به فيسرع النهضة لنجدتك متطوعا ومضحيا لا يريد منك جزاء ولا شكورا .. وقد تطلب منه مالا فيعطيكه دون سؤال كثير .. إنه شعب بسيط على السليقة، سريع الغضب لكن في حلم وسريع البديهة، ولكن في دهاء ومكر .. شعب يحب الفكاهة والدعابة؛ لأنه شعب مرح بشوش، يلقاك بنكتة، ويودعك بأخرى .. هو شعب مؤمن بالقدر والستر والأجر والعمل والعقاب والثواب .. هو شعب يضع كل اتكاله على الله، فيعمل بغير خوف، ولا يفزعه المستقبل، ولا تخيفه الشيخوخة أو المرض؛ إذ يعلم أن كل شيء من عند الله:
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. كما يعلم أن الدواء والشفاء من عند الله أيضا .. إذن، فلا خوف عليك يا مصر، مع مثل هذا الشعب المؤمن ...
شدي حيلك يا مصر
لك الله يا مصر! يا حلوة ويا قرة العين .. يحميك ويحفظ من الحسد والعين .. يا مصر يا طيبة .. يا أميرة .. يا ملاذ الجميع ومأوى الفقير .. يا مهد الحضارة .. يا أمل الطغاة الطامعين والغزاة الغاصبين .. كوني على قدر المسئولية، وتنبهي وتيقظي وانفضي عنك غبار الخمول و«شدي حيلك» .. واعلمي أن أرضك مقدسة مباركة، لا يمكن أن تضام أو تجدب أو تنهب أو تسلب .. عليها أسود كواسر يحمونها، ورجال بواسل يدافعون عنها، ويذودون عن حياضها ويسهرون عليها ...
أيا مصر العزيزة .. أيتها السيدة الفاضلة .. يا صاحبة المهابة والجلالة .. يا ذات العرض الشريف والصيت العظيم والسمعة العطرة الطاهرة .. بأشبالك تنهضين، وبرجالك تصمدين، وبعقولك الراجحة تغلبين وتنتصرين وتهزمين ...
لا تهتزي يا مصر ولا تتذبذبي أو تترنحي، اثبتي وقاومي وقومي بدور الأسد الغضنفر .. ما زلت في مركز القوة وموقف السيادة بفضل أبنائك الأبطال المغاوير ورجالك البواسل الظافرين .. أنت صاحبة الكلمة، وصاحبة الأمر والنهي .. لا تهتمي بتلك الشرذمة التي أعمى الله قلوبها، وغشى على بصائرها فلم تعد تعرف الباطل من الحق، ولا أفش الرأي من صحة الحكم، واختلط لديها الجهل بالعلم، فلم تفرق بين الصالح والطالح، ولا بين الحسن والخبيث.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم
تاريخك زاخر بقصص الأبطال والصمود الباهر .. فكم من غاز خرج منك عاري الجسد، مدحورا مكسورا محسورا! وكم من عدو وصل إلى حدودك فعاد على أعقابه فاشلا مغلوبا، يجر أذيال الهزيمة، ويفر هاربا مهزوما! وكم من معتد جبار غره صلفه وغروره، وظن أنه سينال منك مقتلا، فخيب الله ظنه! إذ وقفت له بالمرصاد، وسقيته المر والحنظل، ولفظته لفظ النواة الشريرة حتى صار للعالم أجمع عبرة العبر!
Página desconocida