تولى هذا السلطان العرش العثماني وهو طفل، فوقعت الفوضى في المملكة العثمانية، وأصبحت الجنود لا ترحم كبيرا ولا صغيرا، وصارت الحالة إلى أتعس مما كانت عليه قبل «مراد الرابع» حتى تزعزعت أركان الدولة وطمعت الدول الأوربية فيها وتكاثرت الثورات الداخلية تارة من الإنكشارية، وآونة من السياه، وأخرى من الولاة أو الأهالي، ولكن الله قيض لها وزيرا عاقلا حكيما هو «محمد باشا كوبريلي» فتولى الصدارة سنة 1067، ففتك بالإنكشارية وأذلهم وأخضعهم، ولهذا الرجل أياد بيضاء على الدولة. فإنه حفظها من الانحلال في تلك الأزمة، وانتهت سلطنة هذا السلطان بالخلع.
أما في «مصر» لما تولى السلطان محمد المذكور، عزل «محمد باشا» واليها، وولى الوزير «أحمد باشا» فاستلم زمام الأحكام مدة سنتين كلهما اضطراب وقلاقل، وأول تلك القلاقل كانت سنة 1060 بسبب تقصير النيل، فإنه لم يرتفع تلك السنة أكثر من 16 ذراعا، فلم يرتو من أرض الصعيد إلا الثلث. أما الوجه البحري فلم يرتو منه شيء تقريبا، فغلت الأسعار حتى خيف المجاعة.
أما الباشا فلم يكن يهمه غير تكثير الضرائب مع أنه لم يكن يرسل منها إلى الآستانة إلا الثلثين. وكان لسوء نيته يرسل تلك المبالغ في عهده «رضوان بك» ليحمل الباب العالي على الشك بأمانته فيتغير خاطر السلطان عليه. وكان إتماما لمكيدته يكتب إلى الباب العالي على التتابع يشكو من تصرف «رضوان بك» ويطلب خلعه عن إمارة الحج، وتقليدها لعلي بك. وكان هذا على ما علمت من الصداقة مع «رضوان بك» لكنه لم يكن يعلم بدسائس الباشا.
أما الباشا فكان في نيته أن يوقع الضغائن بين الأميرين، فيحل عرى اتحادهما، لكنه لم يتم مقصده حتى أتى الأمر العالي بعزله يوم السبت 6 صفر سنة 1061ه و«رضوان بك» لم يرجع إلى القاهرة بعد. ولم تكن نتيجة مساعي «أحمد باشا» إلا زيادة تآلف قلبي ذينك الأميرين. وكان من كرم أخلاقهما أن كلا منهما كان يتنازل للآخر عن إمارة الحج فأعجبت هذه الأريحية المصريين، فأحبوهما وبالغوا في احترامهما حتى أقاموا لهما دعاء عموميا في «الرميلة»، والباشا إذ ذاك محبوس في القلعة ولم يفرج عنه حتى دفع للخزينة مبالغ وافرة.
فتولى مكانه الوزير «عبد الرحمن باشا» وما زال إلى أول شوال سنة 1062ه، وقد قاسى ما قاساه سلفه من السجن والإهانة لأنه سار على خطواته فاختار الباب العالي الوزير «محمد باشا» ليقوم مقامه في 5 شوال من تلك السنة، ولكنه لم يدخل القاهرة إلا في 8 محرم سنة 1063ه.
وما زالت الولاة تتوالى على «مصر» ولا شيء من أعمالهم وأحوالهم يستحق الذكر. وفي آخر الأمر تحول النفوذ من أيديهم إلى أيدي البكوات المماليك وهم يعدون مصر وطنهم، ويغارون عليها. أما الباشوات إذا أتوا «مصر» لا يكون ديدنهم إلا اكتساب الثروة بأية طريقة كانت لعلم كل منهم أنه لا يلبث أن يأتيه الأمر بالعزل، وقلما عزل أحدهم ولم يكن السجن مأواه. (11) سلطنة ثلاثة سلاطين «سليمان بن إبراهيم» و«أحمد بن إبراهيم» و«مصطفى بن محمد»
من سنة 1099-1115ه (ومن 1687-1703م)
توالى على العرش العثماني في ست عشرة سنة ثلاثة سلاطين، ويدل ذلك طبعا على ارتباك أحوال الدولة. فلما خلع السلطان «محمد الرابع» أودع السجن حتى مات سنة 1105ه، وبويع السلطان «سليمان الثاني». وبعد 3 سنوات توفي، فبويع السلطان «أحمد بن إبراهيم» وتوفي سنة 1106ه، فبويع السلطان «مصطفى الثاني بن محمد الرابع» وبعد تسع سنوات أقيل سنة 1115، وتوفي سنة 1119ه.
وتوالى على «مصر» في أثناء هذه المدة نحو عشرين واليا أغضيت عن ذكرهم، لعدم أهميتهم؛ ولأن النفوذ انتقل منهم إلى الأمراء المماليك، وصار هؤلاء أصحاب الحل والعقد، وبهذه السلطة ينقضي الدور الأول من سيادة الدولة العثمانية على مصر، ويبدأ الدور الثاني. (12) العلم والأدب ومشاهير العلماء والأدباء في مصر
الدور الأول من العصر العثماني من 923-1115ه
Página desconocida