وفي يوم 20 ربيع آخر سنة 1033ه، جاء القاهرة كتاب يحمله الحمام الزاجل - وهو بريد تلك الأيام - فحواه قرب وصول مندوب عثماني ومعه الأوامر السلطانية.
وبعد أيام وصل ذلك المندوب ودخل القاهرة وجمع السناجق والأمراء وكبار الموظفين في الديوان، وألبس «مصطفى باشا» «الخلعة» المرسلة إليه من السلطان، ثم تلا عليهم الفرمان بتثبيته على مصر.
وفي السنة التالية، زاد النيل زيادة فوق العادة، فبلغ 24 ذراعا، فخاف الناس أن لا ينحسر الماء عن أراضيهم في زمن يمكنهم فيه زراعتها، ولكنه أخذ في الهبوط بسرعة، فانكشفت الأرض وزاد خصبها. (8-1) الوباء وبيرام باشا
ولم تكد مصر تنجو من الجوع حتى داهمهما ما هو أصعب مراسا منه؛ يعني الوباء، فإنه ظهر بها بأوائل ربيع أول سنة 1035ه، وأخذ ينتشر في جميع أنحائها بسرعة.
وفي شعبان من تلك السنة، أخذ بالتناقص ولم ينقص إلا في أوائل رمضان، قال بعضهم : إن الذين ماتوا بسبب هذا الوباء 300000 نفس، فتذرع الباشا بهذه الضربات لاختلاس أموال الناس، فجعل نفسه وريثا لكل من مات بالوباء من الأغنياء فاستولى على تركاتهم، فتظلم الورثاء إلى الآستانة. ولا يخفى أن الباشا لم يتول مصر إلا رغم إرادة الباب العالي، فاغتنم هذه الفرصة وعزله، وولى «بيرام باشا»، فجاء مصر وحاكم «مصطفى باشا» وحكم عليه بدفع الأموال التي اختلسها، فباع كل ماله من المتاع والمقتنيات، ودفع ما عليه.
ولما عاد إلى الآستانة (1037ه) حكم عليه بالإعدام. ولا يخفى أن محاولة الجيوش والأمراء عزل وتولية الباشوات، بمجرد إرادتهم؛ مخالف للنظام ومغاير لما وضعه السلطان «سليم الفاتح» لكل فئة من فئات مصر الحاكمة من الحدود. فكانت موافقة الباب العالي خرقا للحدود السابقة؛ وعليه فقد حصل بعض التعديل في القواعد الأساسية التي سنها السلطان «سليم» منذ قرن.
وكان «بيرام باشا» محبا للعلم والعلماء، لكنه كان أكثر حبا لجمع المال، وإقامة المشاريع المفيدة، وتنشيط التجارة على أنواعها، وأكثر من الضرائب حتى على الصابون، وكان حازما، لم يترك للجند فرصة للتمرد، فهدأت مصر في أيامه. (8-2) «محمد باشا» و«موسى باشا»
ثم استدعي «بيرام» إلى الآستانة، وعين وزيرا في ديوانها، وهذه هي المرة الثالثة لتعيينه في ذلك المنصب. فتولى بعده الوزير «محمد باشا»، فساس الأمور بحكمة ودراية، وكان محبا للعزلة، فلم يخرج بموكبه في أثناء حكمه التي هي نحو السنتين، إلا ست مرات.
واتصل به ما أصاب اليمن من الشغب الناتج عن سوء السياسة مع القبائل البدوية، فعرض على السلطان إخضاعها، وتعهد بإرسال فرقة من رجاله بقيادة «قنسو بك» أمير الحج لهذه الغاية. فأجابه السلطان إلى ما طلب، وولى «قنسو بك» على اليمن مع رتبة باشا وجعله بكلربكي (أمير الأمراء) على الجيش. فأنشأ «قنسو» جيشا من ثلاثين ألف مقاتل، وقبض مبلغا كبيرا ليدفع منه نفقات الحملة. وبعد أن قبضه، توقف عن السفر وترك جيشه بمصر يسلبون وينهبون ويقتلون الأهلين ويتعرضون للمسافرين.
ولحسن الحظ، كان بين تلك الجيوش ألف رجل من الروملي جاءوا للاشتراك في تلك الحملة تحت قيادة الأمير «جعفر أغا»، فأخمدوا تلك الثورة وألزموا «قنسو بك» أن يسير بهم إلى اليمن في محرم سنة 1039ه. فسار وحارب وفاز.
Página desconocida