الناتجة عن امتزاجات القوى الطبيعية ومن ممازجات القوى الفلكية والتوجهات الملكية مع النفوس البشرية والقوى السفلية، وأيضا تعقل صفات الحق في عرصة الفكر الإنساني من حيث الاطلاق الحقيقي متعذر، لان الانسان لا يدرك الا متعينا في مقامه النظري بحسب قوته الفكرية، وليس هو سبحانه وأسمائه في نفسه كهى في تصور المتصورين بأفكارهم، وهكذا شأن الانسان في معرفة الحقائق في مقام تجردها مطلقا.
2 ومن جملة الأمور التي لا يستقل العقل بادراكه: سر ترتيب طبقات العالم وخواصه، وسبب انحصار كل جنس ونوع وصنف في عدد واختصاصها بأوقات وبقاع وأحوال مخصوصة، وامتياز كل بعد الاشتراك في أمور، وكذا معرفة العلة الغائية في ايجاد مجموع العالم أو بعض من أجناسه أو أنواعه، وبالنسبة إلى كل قطن (1) وشريعة وعالم ومرتبة.
36 - 2 فلما رأى المستبصرون من أهل الله ذلك ووجدوا علوم الناس ظنونا وتخيلات لا اتفاق لهم فيها - ما خلا أكثر المسائل الرياضية الهندسية وغايتها معرفة المقادير - لم ترض نفوسهم الا ان تكلفوا بمعرفة أشرف المعلومات، لجلالة قدرها ودوام ثمرتها، بعد مفارقة الأجسام طلبا للاتصال بجناب العلام ومضاهاة نشأته الاعلى في معرفة حقائق الأشياء، بل مقتضى حال خلاصة خاصة الخاصة، المؤهلين للظفر بذلك، جمع الهم بالكلية على الحق - على نحو ما يعلم نفسه - وتفريغ المحل عن طلب ما سواه، وإن كان مثمرا سعادة ما، أو منتهيا بصاحبه إلى كمال نسبى، فمتى قدر لهم معرفة شئ غير الحق، وإن كان يفيض منه سبحانه دون تعمل منهم، فإنما موجبه سعة دائرة كمال استعدادهم الغير المجعول، لا انه مقصودهم أو متعلق هممهم - كغيرهم من الناس - 37 - 2 ثم نقول: فلما شاء الحق تكميل مرتبة العلم وتكميل بعض عباده بالعلم المختص بالقسم الثاني على نحو تعينه في علم الحق، اصطفى من خلقه في كل عصر ومن كل جيل نقاوة سموا أنبياء وأولياء وأيدهم بروح منه واطلعهم على ما شاء من حقائق صفاته واسرار
Página 30