وعندما غزا الفرنسيون الجزائر، استلى مصطفى بومزراق (٧)، باي التيطري، على المدية الواقعة غربي مدينة الجزائر، وأعلن نفسه باشا، وارتأى إبراهيم باي، الذي كنا نتكلم عنه والذي تحالف مع مصطفى المذكور، أن ينصب نفسه، بمساعدة صهره الشيخ فرحات، بايا على قسنطينة مكان الحاج أحمد، وأن يستولي على المدينة وعلى ثروات هذا الأمير (كان يجهل أن هذه ثروات قسنطينة وأنها نقلت إلى الصحراء). وقد كان يأمل أنه يجد في كنوز الحاج أحمد ما يكفيه للقيام بمحاربة الفرنسيين، واعتقد الشيخ فرحات، بهذه المناسبة، أن من حقه أن يبذل كل ما في وسعه، ظنا منه أن مسألة المدية تكون لها نتائج مرضية.
وفي الوقت الذي فشلت فيه مخططات باي التيطري، كانت المعركة قائمة بين الحاج أحمد والشيخ فرحات الذي منعته عزة النفس من التراجع على الرغم من أن جيشه كان في وضع سيء، وعندما انتصر عليه الحاج أحمد استولى على ثرواته وأتباعه وعلى كل ما ينتسب إليه، ولكن الحاج أحمد المنتصر كان رحيما وكريما، فأعاد النساء والأطفال إلى خيماتهم وأرجع للشيخ جميع ثرواته كما هي العادة عند البواسل، ثم أحضر لهم الخيل وما عداها من الحيوانات الضرورية لنقل أمتعتهم، وعندما يحل السلم تنطفىء الضغائن ويسود الإحسان، وفي جميع الحالات تجب حماية النساء واحترامهن، ولا تكون
_________
(٧) المزراق هو الرمح. وقد حكم بومزراق بايلك التيطري من سنة ١٨١٩ إلى سنة ١٨٣٠، كان شجاعا ونشيطا في جميع أعماله. شارك في معركة سطاولي، غير أن القبائل ثارت عليه بعد سقوط مدينة الجزائر ونهبت أملاكه، فاضطر إلى طلب الأمان من الجنرال كلوزيل ثم غادر الجزائر وتوجه إلى الإسكندرية.
1 / 40