رجوتها أن تجلس ولكنها لبثت واقفة مستندة إلى صوان الملابس، تنظر معي إلى الأفق الملبد بالغيوم من زجاج الشرفة المغلق، وتنتظر أن أفرغ من احتساء الشاي. وكنت أعطيها قطعة من البسكوت الذي أحتفظ بقدر منه فتقبلها عربونا لصداقة نامية. إن قلبها الأبيض يشعر بمودتي واحترامي وإعجابي وكنت بذلك سعيدا. وتساقط رذاذ، فانسابت قطراته على الزجاج فاهتزت صورة العالم الخارجي. سألتها عن بلدتها فأجابت. خمنت السبب الذي اقتلعها من أرضها، ولكني قلت: لو بقيت في قريتك لسارع إليك ابن الحلال.
فقصت علي قصة ضارية، عن الجد والزوج العجوز .. ثم قالت: وهربت.
انزعجت للخبر فقلت: ولكنك لن تسلمي من الألسنة.
فقالت باستهانة: إنه خير مما هربت منه!
أعجبت بها لحد الإكبار، ولكن أشجتني وحدتها، غير أنها كانت تقف مليئة بالثقة كمعدن غير قابل للكسر. وكان الرذاذ قد نقش الزجاج بالغبش فاختفى العالم أو كاد. •••
قنبلة ؟ صاروخ؟ فكرة جنونية. كلا إنها سيارة، الأحمق، يا للشيطان! إنه حسني علام. ماذا يدفعه إلى الطيران؟ سر لا يعلمه إلا هو، كلا .. فإلى جانبه تجلس فتاة، كأنها صونيا، أهي صونيا؟ صونيا أو غيرها فليذهب إلى الجحيم.
وما كدت أجلس في مكتبي حتى لحق بي زميلي وهو يقول: قبض على أصحابك أمس.
غشيتني لحظة غيبوبة. خجلت من أن أعلق بكلمة واحدة فقال: والسبب فيما يقال ...
قاطعته بحدة: لا أهمية لذلك. - ثمة همس عن ... - قلت لا أهمية لذلك.
اعتمد على مكتبي بذراعيه الممدودتين وقال: كان أخوك حكيما.
Página desconocida