ودب في بعض نشاط فغادرت حجرتي منضما إلى ماريانا وطلبة مرزوق بمجلسنا المعهود بالمدخل. وددت أن أرى زهرة ولكن اضطراب ماريانا وتهجم طلبة منعاني من استدعائها إلى جو سيضيق حتما بأحزانها ولن يوليها الاحترام اللائق. وعلمت أن حسني علام غادر البنسيون في ميعاده المألوف تقريبا. إنه انفعل ساعة بالخبر الدامي ثم مضى إلى حال سبيله، أما منصور باهي فقد تأخر به النوم على خلاف عادته. وقالت ماريانا بتأفف: ها هو اليوم الأخير من السنة، ختمها أسوأ ختام، فماذا يخبئ لنا العام الجديد؟!
فتساءل طلبة مرزوق في ضجر عصبي: أي متاعب ستلاحقنا هنا!
فتمتمت بصوت واهن: ما دمنا أبرياء ...
فقاطعني بحدة: أنت متحصن بشيخوختك، فلن يضيرك شيء.
وترامى إلينا صوت باب منصور وهو يفتح. ذهب إلى الحمام. رجع إلى حجرته بعد نصف ساعة.
وما لبث أن ظهر من وراء البارفان، مرتديا بدلته ومعطفه، ولكنه طالعنا بوجه شديد الشحوب ونظرة معتمة وقسمات متصلبة. أخبرته المدام بأن إفطاره معد، ولكنه رفضه بهزة من رأسه دون أن ينبس. أقلقنا منظره بلا شك، وكانت المدام أسرعنا في الإفصاح عن ذاك القلق فقالت له: اجلس يا مسيو منصور .. أأنت على ما يرام؟
قال دون أن يجلس: على خير ما يرام، لقد نمت أكثر من المعتاد، هذا كل ما هنالك!
فقالت وهي تشير إلى الجريدة المطروحة على الكنبة: أما سمعت الخبر؟
لم يبد أي اهتمام بشيء فقالت: سرحان البحيري .. وجد قتيلا في طريق البالما.
نظر إليها طويلا. لم يدهش، لم ينزعج، ولكنه ظل ينظر في عينيها. كأنما لم يسمع قولها، أو لم يفهمه، أو أنه يعاني مرضا أخطر مما نتصور. ودعته ماريانا إلى قراءة الخبر في الجريدة فألقى عليه نظرة متمهلة هادئة، وأبصارنا مركزة عليه، ثم رفع رأسه وهو يقول: أجل .. وجد قتيلا.
Página desconocida