تفقدت الحجرة بارتياح ثم جلست على المقعد الكبير مستبشرا. عرفت من مجلسي - ودون سؤال - اسم الفلاحة وهي تنادى. وما لبثت أن دخلت حجرتي حاملة الملاءات والأغطية لتعد السرير. مضيت أراقبها بسعادة متفحصا أجزاءها بعناية وشغف، الشعر والقسمات والقامة. يا سيدي أبو العباس البنت جميلة، جميلة لدرجة السحر، وتملك شخصية أيضا. أرادت أن تختلس مني نظرة ولكن عيني كانتا لها بالمرصاد. وابتسمت قائلا: أنا سعيد يا زهرة.
استمرت في عملها كأنها لم تسمعني فقلت: ربنا يطول عمرك فقد أرجعت إلي الريف الذي جئت منه.
ابتسمت فقلت: محسوبك سرحان البحيري يا زهرة.
فلم تملك أن سألت: بحيري؟ - من فرقاصة بالبحيرة.
كتمت ضحكتها وهي تقول: أنا من الزيادية.
فهتفت بنشوة كأنما وحدة المحافظة معجزة قد وجدت لضمان سعادتي وحبي: يا ربنا.
وكانت انتهت من عملها فهمت بمغادرة الحجرة فرجوتها قائلا: ابقي قليلا فلدي الكثير مما أود قوله.
ولكنها حركت رأسها بدلال بريء ثم ذهبت. سعدت بتنكرها لرجائي واعتدته معاملة «خاصة» لا يمكن أن تعامل بها «زبونا» مجردا. نعم إنها ثمرة ناضجة وما علي إلا أن أقطفها ولكن جسمها بريء فيما يبدو ولا علم لي باستعداداتها. إني أحبها، ولا غنى لي عنها. وددت أن يضمنا مسكن واحد بعيدا عن هذا البنسيون الذي لا يخلو عادة من متطفلين ثقلاء. •••
على مائدة الإفطار تعرفت بعجوزين غريبين. أكبرهما حي ميت، مومياء، ولكنه لا يخلو من مرح، وهو - كما قيل - صحفي قديم. والآخر طلبة مرزوق، ليس اسمه بالغريب على أذني وإن كاد يمحى، وهو ممن وضعوا تحت الحراسة، ولا علم لي بما جاء به إلى هذا البنسيون. وقد أثار تطلعي من أول مرة، فكل شاذ مثير سواء كان مجرما أو مجنونا أو محكوما عليه أو موضوعا تحت الحراسة. إلى ذلك كله فقد كان من الطبقة التي علينا أن نرثها بطريقة ما. ها هو يخفي عينيه في قدح الشاي ، متجنبا النظر نحوي، عن حذر أو كبرياء. وتلاطمت في نفسي - حياله - أحاسيس متباينة تتراوح ما بين الشماتة من ناحية والرثاء من ناحية أخرى، غير أن إحساسا منها استقر في وضوح وهو ذعري الغريب من فكرة مصادرة الثروات، كأنما أومن بأن من يقتل مرة يعتاد القتل!
وأراد عامر وجدي أن يجاملني فقال: يسرني أنك من رجال الاقتصاد، إن الدولة اليوم تعتمد أول ما تعتمد على الاقتصاديين والمهندسين.
Página desconocida