والثالث: اتباعا للمصنفين في أنهم يثنون الابتداء بالحمد لله.
والرابع: تفاؤلا به للتبرك، وليس شيء مما يتبرك به أفضل من القرآن.
والخامس: أن هذا اقتباس، وهو من صنعة البديع، وهو أن يذكر شيئا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه.
والسادس: أن هذا الجزء الشريف مشتمل على الحمد الذي هو رأس الشكر والسلام على الأنبياء؛ لأن المراد من قوله: ﴿على عباده الذين اصطفى﴾ هم الأنبياء.
والسابع: دفعا لسؤال من يسأل: أنه لم اختار الحمد على المدح والشكر؟
فإن قلت: دأبهم أن يصلوا على النبي ﵇ بعد الحمد لله، والمصنف خالفهم في ذلك.
قلت: لا، لأن المراد من عباده الذين اصطفى: هم الأنبياء كما قلنا، ونبينا محمد ﷺ داخل في جملتهم، فتكون مصليا عليه أيضا.
فإن قلت: هم قد صرحوا، وهو قد ترك التصريح، مع أنه ليس فيه لفظ الصلاة.
قلت: طريقه آكد وأبلغ؛ لأنه كنى رسول الله ﷺ، والكناية أبلغ من الصريح، لما فيها من الإشعار على الفخامة وعلو القدر ما ليس فيه، والسلام ههنا بمعنى الصلاة، على أن البعض لم يفرقوا بين الصلاة والسلام، أو يكون المراد من عباده الذين اصطفى: هو محمد ﷺ، من باب إطلاق الكل وإرادة البعض. فإن قلت: كيف يكون من هذا الباب والمراد الجميع في التفسير؟
قلت: قد تقدم أنه اقتباس من القرآن فلا يكون منه مطلقا، فيعمل مراده حينئذ، ثم الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التفضيل لا على جهة الاستهزاء، والألف واللام فيه للاستغراق، أي كل واحد من أفراد الحمد لله تعالى، وليست هي للعهد كما توهمه المعتزلة، والحمد: مرفوع بالابتداء، وخبره (الله) وسلام: عطف عليه، وعلى عباده: جار ومجرور متعلق بمحذوف، واللذين: اسم موصول، واصطفى: صلته، والعائد محذوف تقديره: الذين اصطفاهم: أي اختارهم من بين عباده بأشياء مخصوصة، وأصله: اصتفى، لأنه من صفى يصفوا صفوة وصفاءً، فنقلت إلى باب الافتعال، ثم قلبت التاء طاء لما عرف في موضعه.
1 / 29