داهنتم في دين الله. ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا. ولم يزالوا كذلك حتى قدموا العراق، فقال بعض الناس من المتخلفين: ما صنع علي شيئًا، ثم انصرف بغير شيء. فسمعها علي، فقال: وجوه قوم ما رأوا الشام، ثم أنشد:
أخوك الذي إن أحوجتك ملمة ... من الدّهر لم يبرح ببابك واجما
وليس أخوك الذي إن تشعبت ... عليك الأمور ظل يلحاك لائما
فلما دخل الكوفة ذهبت الخوارج إلى حروراء فنزل بها اثنا عشر ألفًا على ما ذكره ابن جرير (١)، ونادى مناديهم: إنّ أمير القتال شبث بن ربعي التميميّ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكريّ، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله ﷿، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلما سمع ذلك علي وأصحابه قامت إليه الشيعة، فقالوا له: في أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. قالت لهم الخوارج: أسبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، أهل الشام بايعوا معاوية على ما أحب؛ وأنتم بايعتم عليًا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى، يريدون أن البيعة لا تكون إلا على كتاب الله وسنة رسوله، لأن الطاعة له تعالى، وقال لهم زياد بن النضر: والله ما بسط على يده فبايعناه قط إلا على كتاب الله وسنة نبيه، ولكنكم خالفتموه جاءت شيعته فقالوا: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. ونحن كذلك وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل.
وبعث علي ﵁ عبد الله بن عباس إلى الخوارج، فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه، فقال: ما نقمتم من الحكمين، وقد قال الله ﷿: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ الآية [النساء: من الآية٣٥] فكيف بأمة محمد ﷺ؟
قالوا له: أما ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم. وما حكم هو فيه فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه، حكم في الزاني
_________
(١) في الجزء السادس من التاريخ في حوادث سنة ٣٧هـ.
1 / 39