ووجه آخر: أيكون القائل يقصد إلى ذلك القول الذي قال له على أنه يعنيه حق فيما يوهمه، وظن أ،ه قد علمه، أو سمعه، أو نقله، أو يجاهل على ذلك؛ فقال بذلك الباطل؛ فوافق في ذلك ما خالف فيه الكتاب، والسنة، والإجماع؛ فهو هالك بذلك، لا عذر له في ذلك، ولا يجوز أيضا قبول ذلك عنه، ولا يخرج هذا إلا على وجه الخاص في الباطل، لا في الحق.
ولا يجوز في ذلك القول؛ أن يقول قائل: لا يجوز قبول الحق في الأثر، وإنما هو لا يجوز لأحد أن يقبل الباطل، ولا يجوز لأحد أن يأخذ بما في الأثر من الباطل.
ولو قال قائل: لا يجوز أن يؤخذ في كتاب الله تبارك وتعالي - لجاز ذلك على ظاهر الكلام - في أحكام الخاص والعام؛ لأن في كتاب الله: المنسوخ الذي لا يجوز الأخذ به، ولا العمل به، وفي كتاب الله: المتشابه الذي لا يجوز أن يعمل به على ظاهره - إلا بالتأويل، وفي كتاب الله: الخاص الذي لا يجوز أن يحمل على العام، وفي كتاب الله: العام الذي لا يجوز أن يحمل على الخاص، وكذلك في سنة رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -): الناسخ، والمنسوخ، والخاص والعام.
ولا يجوز أن يوضع شئ من الأمور إلا في موضعه؛ كذلك لا يجوز لأحد أن يأخذ بما في الأثر من الباطل: الذي هو في حكم دين الله الأخذ به باطل؛ كان عند الله في علمه ثابتا أو زائلا، حقا عند الله أو باطلا .
كما أن موسى (عليه السلام) اتبع الخضر (عليه الرضوان)؛ ليعلمه مما علمه الله رشد، وكان الخضر عند موسى (عليهما السلام) من أهل الهدى الراشدين السعداء، فأمضي الخضر من أحكام الله، وعلم غيبه - ما لم يطلع عليه موسى؛ فأنكر عليه ذلك موسى؛ إذ كان ذلك في الحكم عند موسى منكرا، ولم يكن بلغ من ذلك علما، ولا خبرا، وكان الخضر (عليه السلام) لذلك عالما مبصرا. فلو اتبع موسى الخضر على ما قد جاز للخضر خاصة - ما وسعه ذلك عند الله في حكم الدين؛ لأنه أتي ما هو عليه محجور في الحكم.
Página 84