وأن أبا بكر (رضي الله عنه) سوي بين الناس في العطاء، ولم يكن له مخالف، ثم فاضل عمر بن الخطاب بينهم في العطاء، ثم ساوي بينهم علي بن أبي طالب.
ولو كان الإجماع: قد ثبت لكان علي وغيره قد خالفوا الإجماع، وهذا لا يجوز عليهم، يفدل لهذا علي صحة ما ذكرناه.
وحقيقة معني الإجماع في عبارة أهل اللغة: استفاضة القول، وانتشاره في الجماعة الذين ينسب إليهم الإجماع.
فإذا ثبت أن كل واحد منهم قد قاله، أو قال به بعضهم: فلم ينكر الباقون- أضيف ذلك القول إلي جماعتهم، علي معني التقدير منهم له، والرضا به، ووقعت العزيمة منهم بإمضائه، فصار ذلك الحكم إجماعا.
وقيل: هو مشتق من الإجماع، والإجماع حجة، لقول الله تعالي: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "، فجعلهم شهداء علي الناس، كشهادة الرسول عليهم.
وقيل: إن الإجماع- يؤلف الله بين قلوب العلماء من أهل كل زمان، فيجمعهم علي حكم.
وقول: إذا ظهر الإجماع- علم أنه توقيف، وإن لم يكن التوقيف الذي من أجله أجمعوا عليه.
والدليل علي أن الإجماع توقيف- وإن لم يعلم- في قوله تعالي: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "، فقد أجمعوا علي أن العبد غير داخل في وجوب الحج عليه- علم أنه توقيف من النبي (- صلى الله عليه وسلم -)، وإن لم ينقل إلينا لفظ النبي (- صلى الله عليه وسلم -).
وقال محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي (رحمه الله): إ، الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها، وكل ما خالف الحجة- فهو محجوج.
ومن شهدت له حجة الله أنه محق فهو محق في الحكم الظاهر في دين الله- تعالي- ومن شهدت عليه الحجة انه مبطل فهو مبطل في ظاهر الحكم في دين الله ولو كانت الحجة قد خانت في سريرتها، وحاشا حجة الله من ذلك، ولكن لا نتقلد من الأمور ما غاب عنا صحته، نتعاطي علم الغيب بذلك.
Página 63