وعندنا أن خبر بريرة كان شرطه غير جائز، لأنه اشترط مالا يجوز ملكه وهو الولاء، الذي جعله النبي (- صلى الله عليه وسلم -) كالنسب، لقوله (1) : الولاء لحمة كلحمة النسب، والنسب لا يجوز تملكه، لهذا الخبر، فلذلك أبطله النبي(- صلى الله عليه وسلم -).
وأما خبر جابر بن عبد الله في بيع البعير، إذ اشترط ركوبه من مكة إلي المدينة فلم يكن في نفس عقد البيع، وأنه كان علي وجه العارية، وقد روي هذا أيضا.
وأما خبر تمم الداري، فإنه يحتمل أن يكون الخبر الذي يروي أنه اشترط في البيع- سكني الدار في أيام حياته، فتدخله الجهالة بمدة حياته، فلا يصح البيع معها، لأن ذلك غير معلوم، ولذلك بطل البيع، والشرط، ولو كان شرط السكني مدة معلومة لكان البيع جائزا، لأن البيع إذا شرط فيه شرط له قسط من الثمن معلوم جاز البيع.
فصل:
وإذا ورد خبر أن أحدهما ينفي فعلا، والآخر يوجب إثباته، كان الإثبات أولي، إذا لم يعلم المتقدم من المتأخر منهما، ولا الناسخ من المنسوخ.
وهذا ما يذهب إليه أصحابنا في الحظر والإباحة، والأوامر، وقد وافقنا الشافعي في هذا المعني.
وأما الأخبار الموقوفة، لتعارضها، وطلب الدلالة علي المتقدم منها من المتأخر، وأريد به بعض دون بعض نحو: ما روي (2) أن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) نهي عن الشرب قائما، وروي أنه شرب من زمزم وهو قائم، فأوجب توقيف الخبرين وكان المرجوع علي الأصل، وهو قول الله تعالي: " وكلوا واشربوا" فهذه الآية تبيح الأكل، والشرب علي أي حال كان عليها الآكل والشارب، إلا أن تخص دلالة في بعض الأوقات، وبعض الأحوال.
Página 57