يكون إلا منتهيًا عن الفحشاء والمنكر، فخلصت الآية إذا في الممتنعين من الفواحش التي وقعت بها المعارضة، والله أعلم.
فإن قيل في الآية ﴿الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ والوجل أمر يجده المؤمن مجتلبا، لأن من اعتقد من وحدانية الله وعظمته وقدرته والثقة بوعده ووعيده، ما يحق ويلزم، ثم عكف عن التفكر والتدبر، ولم يعرف عنه إلى شهوات الدنيا بقلبه، أورث في قلبه الخشية. وكلما استجد لله تعالى ذكرا استجد منه خشية، فيكون ما يجده منها في قلبه من جلب إكسابه. فلذلك يصح أن يضاف إليه ويسمى إيمانا، ويمدح به ويثني عليه به والله أعلم.
ووجه آخر: وهو أن الله جل وعز وصف الإيمان في هذه الآية بالزيادة. ومعلوم أن الإقرار والاعتقاد إذا كانا هما الإيمان، فزيادة الإيمان تأكيد الاعتقاد، وتكرير الإقرار فثبت أن تكرير التوحيد إيمان. فإذا ثبت ذلك بلغ أن الصلاة وما معها من أعمال الإيمان إيمان، إذ يستحيل أن يكون التوحيد المنتقل به إيمانا، والصلاة المفروضة وما يجري من الشهادة المفروضة فيها غير إيمان، وبالله التوفيق.
فإن قيل: ما أنكرتم أن زيادة الإيمان تأكيد الاعتقاد، فإن الاعتقاد قد يكون في أول درجاته يدنو من الشك، وقد يكون آكد ومن الشك أبعد. ولهذا صار المعتقد يوصف بقلبه الرأي مرة، وبالإحاطة واليقين أخرى، وكل واحد منهما منزله وراء الشك. فإذا جاز أن يزول الشك إلى غلبة الرأي، ثم يزداد حتى يكون يقينا، جاز أن يزداد حتى يقارب الضرورة أو يكون بمثلها. فهذا زيادة الإيمان ولهذا قال النبي ﷺ: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعرة من إيمان)، وأنه ﷺ أشار بذلك إلى زيادة الاعتقاد ونقصانه، وقربه من الضرورة وبعده. وإلى هذا أشار الله ﷿ بقوله: ﴿وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب، ويزداد الذين
1 / 35