إيمان، وكل عبادة من صلاة أو زكاة أو حج أو جهاد أو غيرها فهي إيمان. ثم في تسميتها إيمانا وجهان:
أحدهما أن كلها إيمان بالله ﷿ وبرسوله ﷺ.
والآخر: أن الاعتقاد والإقرار إيمان بالله وبرسوله، وسائر الطاعات والعبادات إيمان لله ورسوله. وسنتكلم عن كل واحد من الوجهين عند الحاجة إليه إن شاء الله.
والدليل على أن التصديق بالقلب لا ينفك عن الكفر دون أن ينضم إليه الإقرار باللسان إذا كان مقدورا عليه- إن الله ﷿ أمر بالقول فقال: ﴿قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾. ثم قال ﷿: ﴿فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما هم في شقاق﴾. فأمر المؤمنين أن يقولوا: "آمنا" ثم أخبر- بقوله تعالى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به- إن ذلك القول منهم إيمان، وسمي قولهم مثل ذلك إن قالوه وإيمانا، إذ لا معنى لقوله: ﴿فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به﴾ إلا فإن آمنوا بأن قالوا: "مثل ما قلتم"، فكانوا مؤمنين كما آمنتم. فصح أن القول إيمان، وبأن قوله تعالى: ﴿فإن آمنوا بمثل ما آمنتم فقد اهتدوا وأن تولوا فإنما هم في شقاق﴾ بعد ما ثبت أن تقديره ما وصفنا أن المعنى. فإن قالوا مثل ما قلتم فقد اهتدوا وإن تولوا وأبوا وامتنعوا فإنما هم في شقاق، ومشاقة الله تعالى كفر، فصح أن القول باللسان محتاج إليه لنفي الكفر، والله أعلم.
وقال ﷿ في آية أخرى: ﴿فلما رأوا بأسنا قالوا: أمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا﴾. إن ذلك القول لم ينقلهم عن الكفر، لأنه كان بعد رؤية البأس، فثبت أنه لو كان قبلها، لنفعها بأن كان ينقلهم عن الكفر إلى الإيمان.
ودلت السنة على مثل ما جاء به القرآن، فروي أن النبي ﷺ قال: (أمرت أن
1 / 26