فأما إذا قلت: "آمنت بالكتاب"، لم تكن دللت على أكثر من أنك أثبته كتابا لله تعالى، والإيمان بالنبي إيمان لله لأنه قبول لدلالته التي أيده بها، وطاعة له فيما أتى به من عنده، والإيمان بالله إيمان بالنبي لأنه إجابة لدعوته ومتابعة له على مقالته. وقد يجوز أن يقول: آمنت للكتاب والتزمت العمل بأمره ووعيده. فإن قال قائل: فما يمنع أن يكون الإيمان بالله إيمانا لله؟ لأن الإيمان بالله من فرائض الله، وطاعته فيه إيمان له، والإيمان بالنبي إيمان للنبي لأنه مؤمن بنفسه كما هو مؤمن بالله، والإقرار له بذلك متابعة له على ما هو عنده، فرجع الأمر: إلى أن الإيمان بمن يضاف الإيمان إليه والإيمان له سواء، فالفرق بينهما ساقط!
فالجواب: إنا لا ننكر أن يكون هذا هكذا إذا كان أحد هذين المعنيين مضافا إلى صيغة اللفظ الآخر وإلى تأويله! وإنما ينكر أن يكون جميعا مضافين إلى صيغة اللفظ إذا كانت الشواهد التي تقدم ذكرها تشهد بأن كل واحدة من اللفظتين موضوعة لغير ما وضعت له الأخرى. فكانت نفس الصيغة تدل على ذلك، لأنه إذا قيل: آمنت بكذا، أوجب ذلك إلصاق الإيمان بذلك الكذا، إذ الباء عندهم حرف إلصاق، فلا يكاد هذا اللفظ يدل على أكثر من التصديق بذات من أضيف الإيمان بالله. فإذا قيل: آمنت لكذا، أوجب ذلك إيمانا غير ملصق بذلك الكذا لكن واقعا لأجله. فكان قولهم: "آمنت بالله"، كقولهم "أثبت الله واعترفت به". وقولهم: "آمنت لله"، كقولهم: "خضعت لله، والخضوع له عز اسمه معنى غير إثباته، فلو جاز أن يقال: أن أحدهما هو الآخر. مع افتراقهما من حيث ذكرت، لجاز أن يقال: أن اسم الصلاة لصيغته موضوع لطاعته، إذ كانت الصلاة لله طاعة له، والصيام وكل عبادة مثلها، فتكون الصلاة صياما لأنها طاعة مثله، أو الصيام صلاة لأنه طاعة مثلها، وكل واحد منهما مستعملا حيث تستعمل الطاعة، إذ كان كل واحد منهما طاعة. فإذا لم يجز أن يقال ذلك لافتراق الاسمين فيما صيغ كل واحد من اللفظين له من المعنى، فكذلك الإيمان بالله والإيمان لله، هذه منزلتهما.
ويدل على صحة ذلك اسم الإسلام يصلح مكان اسم الإيمان عند وصله باللام، ولا
1 / 23