Detrás del Monóculo: Imágenes Críticas y Jocosas de Nuestra Vida Social
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Géneros
كان المسلمون يطربون للتنزيل الحكيم، وقد وجلت قلوبهم لذكر الله وزادتهم آياته إيمانا، وكانوا يعجبون بذلك الصوت العبقري القادر، وهذا الترتيل الشجي الساحر؛ وكان غير المسلمين مأخوذين بهذا التطريب العجيب الذين يحسون أثره ولا يتبينون سره؛ وكان الأجانب مذهولين بهذا المتجر الذي ينبثق منه النور، والذي جاء يزحم متاجرهم ويبدأ بهذا التحدي، فيفتح أبوابه يوم الأحد ويذيع كلام الله في شارع فؤاد ...!
ودخلنا على الرغم من الزحمة فناء المتجر، فإذا به ممتلئ بالناس، وإذا باقات كبيرة من الزهر تبلغ الواحدة منها قامة الرجل طولا تزين جوانب الفناء، وكلها مهداة إلى المتجر الجديد من أصحاب المتاجر الكبيرة، كما دل على ذلك ما علق عليها من بطاقات.
وكان كل ما في المتجر يملأ النفوس سحرا وشعرا، فهذه الأنوار المتألقة، وهذه الزهور الناضرة وهذه التلاوة العذبة، ثم هذه البضائع الجديدة المنسقة على الرفوف اللامعة النظيفة في أناقة وحسن ذوق، كل أولئك كان يبعث البهجة في النفوس ويلقي السحر في الخواطر. «الله أكبر ... بسم الله الرحمن الرحيم
ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك .» أخذ الشيخ إسماعيل يرتل هذه السورة ويرددها وقد أفرغ فيها كل فنه، وبلغ صوته فيها غاية حلاوته، والناس يهزون رءوسهم في تخشع ونشوة معا، ويودون لو ظلوا وقوفا يستمعون حتى ينصدع على الأفق عامود الصباح ... «الله أكبر ... بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى .»
ما كاد الشيخ يقف عند هذا الوقف حتى انتزع الناس الزهور من الباقات، وأمطروه بها من كل جانب وهو في الطابق الأوسط، وتشققت حناجرهم بالهتاف، حتى كأنما طاف بهم طائف من الجنون وقال أحدهم: «والله هذا رجل انسرق من الجنة.»
وختم الشيخ تلاوته وأخذ الناس ينصرفون وملء نفوسهم البهجة من هذا الافتتاح الموفق، فنظرت إلى المتاجر الأخرى فطاف برأسي معنى لعله طاف برءوس غيري من الناس، وذلك أن المتاجر الأخرى على طوار الشارع باتت تحس هذه الليلة ذل الغريب، وكأنما كان هذا القرآن فتحا في هذا الحي الإفرنجي الذي ما شهدنا فيه مثل هذا من قبل، وكأنما كان متجر الطرابيشي غزوا يباركه كتاب الله ... وشعرت بالعزة الوطنية حق العزة، وأحسست لأول مرة في هذا الشارع أن الدار داري والأهل أهلي والوطن وطني ... واغتلى خيالي وأنا الشاعر الذي يطير به الخيال كل مطير، فخيل إلي أن الغافقي لم يرتد عن بواتييه، وأني أسمع القرآن لا في شارع فؤاد ولا في القاهرة ولكن في ضفة السين!
Página desconocida