وكتبه التي تركها تدور حول مسائل من اللغة والنوادر والصرف والنحو والقرآن. أما كتابه الكبير في النحو المسمى بـ "الحدود" فقد ذكروا أنه يشتمل على ستة وأربعين حدا في الإعراب. ويعنينا منه هنا قصته فهي تدل على بدع عجيب عرف به بعض النحاة وأثر في سير هذا العلم أثرا سيئا، ذلك هو الإغراب والتعقيد، قالوا:
كان السبب في إملائه الحدود أن جماعة من أصحاب الكسائي صاروا إليه وسألوه أن يملي عليهم أبيات النحو ففعل، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض: "إن دام هذا على هذا، علم النحو الصبيان! والوجه أن يُقعد عنه" فقعدوا فغضب وقال: "سألوني القعود فلما قعدت تأخروا، والله لأملين النحو ما اجتمع اثنان" فأملى ذلك ست عشرة سنة١.
وأنا حائر في التوفيق بين نزعة التسهيل والتبسيط هذه التي في القصة، وقولهم في ترجمته: "كان يتفلسف في تأليفاته ومصنفاته، يعني: يسلك في ألفاظه كلام الفلاسفة"١.
وتكفينا هذه الإلماعة عن رجال المدرستين٢، محاولين تتبع الخلاف ومعرفة طبيعته.
_________
١ المصدر السابق ص٩٩.
٢ نشر "مراتب النحويين" لأبي الطيب اللغوي المتوفى سنة ٣٥١، وجاء فيه -بعد أن سرد تراجم أعيان البصريين ثم الكوفيين- قوله:
"والذين ذكرنا من الكوفيين فهم أئمتهم في وقتهم، وقد بينا منزلتهم عند أهل البصرة، فأما الذين ذكرنا من علماء البصرة فرؤساء علماء معظمون غير مدافعين في المصرين جميعا، ولم يكن بالكوفة ولا في مصر من الأمصار مثل أصغرهم في العلم بالعربية، ولو كان لافتخروا به، وباهوا بمكانه أهل البلدان، وأفرطوا في إعظامه كما فعلوا بحمزة الزيات، يتخذونه إماما معظما مقدما وليس يحكى عنه شيء من العربية ولا النحو، وإنما هو صاحب قراءة، وأما عند البصريين فلا قدر له" ص٢٦.
1 / 44