De la Transferencia a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Géneros
وتصعب التفرقة بين الطبيعيات والإلهيات، بين نظام العالم والقدرة الإلهية والدعوة إلى التأمل والنظر في الخلق لإثبات الخالق. فأقسام الحكمة واحدة، العلم والمعلوم والعالم. ولقد اطلع إبراهيم على الأجرام السماوية فأيقن بوجود الخالق، وخضوع الكون لنظام، كل شيء في وضعه، السماوات والأرض محدثة بل أول المحدثات كما هو ظاهر في الكتاب في غير ما آية، وأن السماء والأرض كانتا رتقا قبل فتقهما. ولما ارتبطت الأسباب بعضها ببعض انتهى الأمر إلى موجود غير محسوس، علة العلل ومبدأ الوجود المحسوس. تتحدث الآيات عن خلق الإنسان من الطين وانتقال الصفات النفسية من موجود إلى موجود مخالف له بالجوهر والحد والاسم والفعل، جمع بين التطور والانكسار، بين التواصل والانقطاع.
93
تتركب الأسطقسات حتى تكون منها النبات ثم الحيوان ثم الإنسان. الحيوان يتغذى بالنبات فيتكون منه دم ومني. ومن المني والدم يتكون حيوان آخر. فالحدوث في القرآن ولكن بألفاظ ومصطلحات وتعبيرات أخرى موروثة وليست وافدة. والخطورة في ذلك ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن حيث يرتبط الثابت بالمتحول، واليقيني بالظني، والدين بالعلم. ثم تأتي الآيات الخاصة بالتوحيد ذات الله وصفاته، علمه وقدرته ووحدانيته. ويذكر ابن رشد الآية التي يثبت بها الأشاعرة الوحدانية عن طريق دليل التمانع. الوحدانية صفة لله وللطبيعة والمجتمع في توحيد شامل، وعلمه محيط وشامل. وهو علم بالشخص وعلم بالكلي أو علم على الإطلاق دون تحديد بالشخص أو بالكلي. وقد نبهت الآيات على عناية الله بالعالم وبالإنسان لتسخير جميع السموات له. الله حافظ لكل شيء، وكل شيء مطيع له بالأمر، والله هو الآمر.
94
والإنسان هو الوحيد من بين سائر الموجودات المكلف على الأرض والمؤتمن عليها، والأمر الإلهي ليس موجها للإنسان بالطبيعة بل بالإرادة، ليس بالضرورة بل بالحرية. ويعترض ابن رشد على تصور ابن سينا لحركة الأفلاك وأنها طاعة لله وليس لاستكمال آنيات متناهية، مقابلا النظرة الكونية بالنظرة الشرعية ومعتمدا على الآية. وينهي ابن رشد استدلالاته النصية بإثبات معاد النفس، وتشبيه الموت بالنوم، وتمثيل المعاد بالأمور الجسمانية أفضل من تمثيله بالأمور الروحانية. ويستعمل حديثا وقولا مأثورا عن ابن عباس. وفي النهاية الروح سر من أسرار الله، ولم يؤت الإنسان من العلم إلا القليل وما زال المثل الفقهي هو أفضل تصور للفلسفة مثل أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
95
ولفظ «الله» هو اللفظ المفتاح، والمفهوم الرئيسي في «تهافت التهافت» بل وفي الموروث كله لأنه محور التصور الجديد الذي على أساسه يتم فهم الوافد. وقد ذكر اللفظ أكثر من مائة مرة وكأن الكتاب في علم أصول الدين وليس في علوم الحكمة. فلا ثمة فرق بين الكلام والفلسفة من حيث إثبات وجود الله ثم ذاته وصفاته وأفعاله ثم ما يتعلق بالنبوة والمعجزات والشرائع. ويظهر اللفظ كصفة في عدة معان مثل الذات ووحدانيتها والعلم والعقل والمبدأ الأول والجود والنظام والخلق والصنع والإرادة والطبع والنبوة والشريعة. لقد تجاوزت علوم الحكمة البراهين على وجود الله عند المتكلمين. فالله أصبح واجب الوجود، وتحول علم الذات إلى علم الوجود. ومع ذلك فالصنعة تدل على الصانع. ويظل إثبات التوحيد ونفي الاثنينية متواصلا من علم الكلام إلى علوم الحكمة اعتمادا على دليل الممانعة عند الأشعري بالرغم من ضعف الدليل عند الفلاسفة. وهذا هو السبب الذي جعل الفلاسفة يقولون بقدم العالم نفيا للأثنينية والتعددية والشرك وافتراض وجود كائنين، الله والعالم منذ القدم. فالقديم واحد. ومع ذلك هي طريقة صعبة لإثبات الوحدانية إذ كان الواحد بسيطا غير مركب من مادة وصورة. أما إذا كان مركبا من أجزاء بالفعل فوحدته تأتي من ذاته بالقوة في الحيوان. إنما الفرق أن القوة في العالم قديمة وفي الحيوان حادثة. ويقال على كليهما إله باشتراك الاسم إن تباينا في النوع. كما يقال عليهما حياة أيضا باشتراك الاسم في حين أن الحياة الأولى أزلية والثانية فاسدة وإلا كان الإله إنسانا أزليا والإنسان إلها كائنا فاسدا.
96
ويمثل العلم الإلهي المكانة الأولى في استعمال الصنعة. لقد جعل ابن سينا مع غيره من الفلاسفة صفة العلم ظنية مغيرين بذلك مذهب القدماء. يمكن إثبات العلم الإلهي بالبرهان كما هو الحال في الأمور الهندسية خاصة وفي العلوم التعليمية عامة. بل إن إثبات العلم الإلهي بالبرهان أولى. كل قول في العلم الإلهي له مقدمات تؤدي إلى نتائج وإلا فلا اعتقاد. بل ويمكن تجريب هذه المقدمات الجدلية في البرهان. الجدل نافع في بعض العلوم وليس في العلم الإلهي. يلجأ بعض المتكلمين إلى الجدل للتكيف مع الجوهر الذي لا يكيفه العقل لأنه لو فعل لكان عقلا أزليا، ولكن العقل الأزلي والكائن الفاسد شيء واحد. الحديث عن الله إذن حديث برهاني وليس جدليا وإلا تحول الحديث إلى ظني كما لاحظ أبو حامد. ومع ذلك فاجتهادات الفلاسفة والمتكلمين يمكن مراجعتها وإزالة ما بها من شكوك، والانتقال من الجدل إلى البرهان، ومن الظن إلى اليقين. فلا عجب أن يخطئ الفلاسفة في العلوم الإلهية وألا يقولوا فيها قولا مفيدا. والعلم الإلهي غير العلم الإنساني. فالله لا يعلم بالجهة ولكن الإنسان يعلم بها وإلا لوقع الاشتراك بين العلمين. علم الله يتعلق بالأشرف وليس بالجهة. وهو علم مرتبط بالسمع والبصر للتأكيد على صفة العلم التجريبي بالأشياء. علم الله واقع، وكل شيء يقع بعلمه. ويعرف الفلاسفة الموجودات بعقولهم واعتمادا على البراهين المتفقة مع المحسوسات. ومع ذلك عقل الإنسان غير العقل الإلهي. ولا يقال عليهما عقل إلا باشتراك الاسم.
97
Página desconocida