De la Transferencia a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Géneros
61
ويتفق ابن رشد ويختلف مع القدماء في موضوع الحكمة وأقسامها الثلاثة: المنطق والطبيعيات والإلهيات. وأحيانا تبدو القسمة وكأنها القسمة الكلامية إلى إلهيات ونبوات أو عقليات وسمعيات. فكلاهما علم واحد، مرة مقلوبا إلى أسفل ومرة إلى أعلى. ونظرا لأن المنطق ليس موضوع خلاف بين العقلاء بقيت الطبيعيات والإلهيات هي محور الخلاف. ولقد وضع القدماء الألفاظ مثل الجوهر والعرض. وحاول المترجمون إيجاد المقابل لها في لسان العرب. فابن رشد يؤصل الحكمة في عصر الترجمة. ويبحث عن أصولها في مبحث الألفاظ كما يفعل الأصوليون. وكانت القضية الرئيسية إلى أي حد توجد الأشياء من تلقاء نفسها دون فاعل أو وجود أسباب لا نهاية لها لا ترتقي إلى سبب أول. وهي قضية في الوافد تأتي في تصور لموروث يقوم على الخلق، وجود الأشياء المتناهية من سبب أول، علة أولى لا متناهية. أما الأوائل من القدماء، وأغلب الظن أنهم الطبيعيون الأوائل، فقد أنكروا الفاعل. وينقدهم ابن رشد لأنه ليس فقط ناقلا لأقوال القدماء بل ناقدا، وممحصا لها. كما يرفض أن تكون الموجودات في سيلان دائم؛ لأنه يلزم ألا تتناهى، وهو محال. وأغلب الظن أنه يقصد هرقليطس. كذلك القول بدورات لا نهاية لها قول فاسد لأنه يستحيل وجود قديمين.
62
ويستمر التفاعل بين الوافد والموروث، بين نظرية القدم ونظرية الخلق في إشارات ابن رشد إلى القدماء في عدة تصورات فلسفية مثل الواحد والكثير وربط الوافد بينهما في حين فصلهما في الموروث. وتظهر بعض مصطلحات علم الكلام باعتباره المخزون النفسي الرئيسي في الموروث. مثل الذات وهل الصفات زائدة عليها أو مساوية لها. فإذا لم تكن الصفة في الذات مثل القوة في الجوهر كان الجرم السماوي بالضرورة جسما ذا كمية. ولا يجوز وجود قسم قديم من ذاته بل من غيره وبالتالي لزم وجود قديم بذاته هو الذي صار به الجسم القديم قديما. لذلك أثبت القدماء موجودا ليس بجسم بل هو مبدأ الكل من أمور متأخرة هي الحركة والزمان والنظر في الموجود بما هو موجود. وقد اتفق القدماء على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، وأن العالم كله يؤم إلى غاية واحدة، وينتظمه نظام واحد كما هو الحال في نظام العسكر والمدن، وكذلك الأجرام السماوية الأربعين ترد إلى سبع ثم إلى واحد هو الأمر الأول من الله سبحانه.
63
ويظهر القدماء في موضوع النفس . إذ يطلقون اسم المخيلة على هذه القوة في الحيوان. وفي الإنسان تسمى المفكرة. ثم يظهر موضوع الأدلة على بقاء النفس، ما توصل إليه القدماء وما أبدعه المسلمون. فقد توصل القدماء إلى بقاء الجوهر في الشخص ثابتا بالرغم من تغيره من الميلاد وحتى الوفاة، وأن الأشياء ليست في سيلان دائم، مما جعل أفلاطون يفترض الصور الثابتة. ومن ثم أثبت القدماء المفارقات. ثم يظهر موضوع النبوة والإلهام والمعجزات من الموروث ليصب فيه الوافد مع أنه أصل في الموروث فرع في الوافد. لذلك لم يتكلم أحد من القدماء في المعجزات بالرغم من انتشارها وظهورها في العالم، وهي مبادئ تثبيت الشرائع، والشرائع مبادئ الفضائل.
64
ثم تظهر ألفاظ مقاربة للقدماء مثل الأوائل والمتقدمون الأوائل مثل القدماء ولكن أقل تاريخية وأكثر مثالية. قد يكون القدماء على حق أو على باطل. ومن ثم يمكن نقدهم في حين أن الأوائل حكم قيمة، على حق دائما، لهم الفضل على الأواخر. أما المتقدمون فهم القدماء أو الأوائل ولكن في الموروث وليس في الوافد، الأسبقية في الزمان واقعا دون الفضل في الحكمة مثالا. لا يقول المتقدمون إن لكل فعل فاعل. والفارابي وابن سينا من المتقدمين ولا يقولون ذلك إلا تبعية للمتكلمين من أهل الملة. يريد ابن رشد استقلال الحكمة عن الكلام، والحكماء عن المتكلمين.
65
ثم يخص ابن رشد بالذكر أربعة من الطوائف طبقا للأهمية: الدهرية أو الدهريون والمشاءون والحكماء والسوفسطائيون. ليس الدهريون فقط فرقة بل تيارا، الدهرية، واتجاها فلسفيا. الدهريون في طرف والحكماء في طرف آخر. إذ لا يجوز الحكماء وجود أسباب لا نهاية لها كما يجوزه الدهريون فيستلزم وجود حسيب بلا نسيب، ومتحرك بغير محرك. فيؤدي إلى نفي الصانع، نفي سبب هو سبب الأسباب، وافتراض موجودات لا علة لها أو افتراض علل إلى ما لا نهاية أو افتراض وجود عالم لا علة له أو له علة هو العالم نفسه، الفلك الكلي وليس شيئا خارج الفلك في حين أن الفلك معلول كما يقول الحكماء. كل ما يظهر ليس له سبب ظاهر إلا الحار والبارد والرطب واليابس. وبامتزاج هذه الأسطقسات تحدث الأشياء تبعا لتلك الأمزجة. الزمان عند الدهريين قديم، متقوم بأزمنة محدثة، وحركة قديمة، ودوراته غير متناهية. والمجموع أزلي من غير علة واجب وممكن في نفس الوقت. وهذه صورة الحكماء عند الغزالي في «تهافت الفلاسفة» مع أن موقف الدهريين وليس موقف الحكماء، تشويه مقصود ومتعمد. والحقيقة أن الأمر يتعلق بإنكار أو إثبات بل بالاختيار بين تصورين للعلاقة بين العلة والمعلول، التصور الطولي حيث لا تتسلسل العلاقة ما لا نهاية وضرورة الوصول إلى علة أولى وهو التصور الذي اختاره المتكلمون، والتصور الدائري، لكل معلول علة هي نفسها معلول للعلة، وهي نفسها المعلول كالعلة بين السحاب والماء، السحاب علة الماء والماء علة السحاب، وهو تصور الدهريين الذي يعتمد على الحس. وقد حاول الحكماء الجمع بين التصويرين وعلى رأسهم ابن رشد بالقول بتقدم الزمان وبالتالي قدم الحركة دفاعا عن الحكمة ضد المتكلمين والأشاعرة.
Página desconocida