De la Transferencia a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Géneros
وتقوم فلسفة التاريخ على تصور تطوري للوحي والعالم والبشر مثل ابن عربي في «فصوص الحكم»، فالحقيقة تتجلى فصا فصا.
4
ويتحول التصور الرأسي للعالم المعروف في الفلسفة الإشراقية خاصة نظرية الفيض التي تتجلى فيها فيضا من أعلى إلى أدنى، من الواحد إلى العقل إلى النفس إلى البدن إلى التصور الأفقي من الخلف إلى الأمام، ومن الماضي إلى الحاضر. تاريخ النبوة شهادة على كل عصر لأن كل نبي يعبر عن عصره. وخاتم الأنبياء للناس جميعا بعد اكتمال النبوة. هناك رنة تفاؤل في الفكر الشيعي نظرا لتوجهه نحو المستقبل، والثقة بانتصار الخير على الشر، والنور على الظلمة، والحق على الباطل؛ لذلك كانت مشكلة الشر والأضداد أكثر حضورا في الفكر الشيعي، فكر المعارضة، منه في الفكر السني، فكر الدولة الرسمي المتوجه نحو الماضي وعصر الخلافة الأول يستمد منه شرعيته في الماضي نظرا لنقص شرعيته في الحاضر.
وكل نبي لاحق يتم رسالة النبي السابق ويكملها. نوح أتم رسالة آدم بالشريعة، وبتحول الرسالة من الملائكة إلى البشر. وإبراهيم أتم رسالة نوح، وموسى أتم رسالة إبراهيم، وعيسى أتم رسالة موسى. وكل نبي لاحق يعتد بأحد الأنبياء السابقين، فله الخيار، فقد صلى موسى إلى الغرب اقتداء بنوح وليس اقتداء بآدم، فالابتداء دور ثان له استقلاله. واقتدى عيسى بآدم ولم يقتد بنوح وهو بعد موسى. وقد أتم محمد أمر آدم ونوح بإبراهيم. فالتاريخ تطور من آدم إلى القائم واقتداء من القائم إلى آدم. تخرج الثمرة من البذرة، وفي نفس الوقت تقتدي بها، حركة إلى الأمام وحركة إلى الخلف، سبق إلى الأمام ومراجعة إلى الخلف.
والعلة في تواتر الرسل هو برودة الحرارة الأولى، ونسيان الأوامر والنواهي نظرا لطول العهد، وبداية الانهيار والاضمحلال، فيأتي نبي آخر لعودة الحرارة الأولى ودفع حركة التاريخ خطوة أخرى إلى الأمام. لقد بعث الله في كل أمة نذيرا منها، وهذا هو البعث الأصغر قبل البعث الأكبر وهو الحشر. العلة في تواتر الرسل التجديد، فالتواتر هنا يعني التنجيم أي توالي الأنبياء. تجديد الشريعة واجب على الله لرحمته نظرا لتغير الزمان والمصالح، وهبوط الدافع الحيوي الأول. تنهض النبوة وتدفع التاريخ. ثم تفسد الشريعة وينهار التاريخ في دورات متتالية.
وهذا هو معنى تفاضل الأنبياء وتفاوتهم في المرتبة والدرجة. فهو ليس تفاضلا رأسيا في سلم، بل تفاضلا أفقيا في دور النبوة السابقة ونهايتها وبداية النبوة اللاحقة. ومن هنا أتت ضرورة التسليم بمراحل النبوة كلها؛ إذ إن كل حد يسلم إلى الحد التالي تلقائيا في سلسلة متصلة واحدة. والدعوة واحدة، دعوة الحق، دعوة النجاة، والفوز بالجنة. جوهر الرسالات واحد وهو الإسلام أي التحرر من عبودية الأفراد والطبيعة والاستسلام الله وحده الذي يتساوى أمامه الجميع. يتفاضل الأنبياء بعضهم على بعض كما تتفاضل الأمم فيما بينها في الصفاء. وهو تفاضل راجع إلى تطور الوحي وليس إلى أشخاصهم ودرجاته من الاكتمال في آخر مراحله. كما أن تفاضل الأمم في أدائها رسالتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس لأشخاصها أو لصفات أبدية فيها. ولا ضير أن يكون هناك تفاضل وتفاوت بين الأنبياء والرسل. وعلى المؤمنين التصديق بهم جميعا على حد سواء. إن أصحاب القدس متفاوتون فيما بينهم، يدرك الأعلى الأدنى. اللاحق يدرك الأتم. والمتمم يدرك الأساس. والأساس يدرك الناطق وهو محمد بدليل الإسراء، وكأن المسجد الأقصى موجود أيام الرسول. ويركز السجستاني على فلسفة التفاوت والتفاضل والمراتب وليس على فلسفة المساواة خارج الزمان والمكان.
ويتداخل التاريخ مع المعاد، بداية العالم ونهايته، كور الماضي وكور المستقبل، الخلق والبعث، آدم والقيامة. فقد فارق الملائكة الأشباح من لدن آدم إلى يوم القيامة بالنفخة الثانية . فيقبل كل منهم مادة النفخ حسب طاقته فيصيرون أنسابا بالفعل، النفخة الأولى عند انقضاء كل دور، والثانية عند انقضاء الدور العظيم، وهي مجمع أدوار الرسل، انتهاء الكور الماضي وبداية الكور المستقبل. وكل واحد من الخلفاء الستة في دور القائم وهو المهدي له درجة من الدرجات الست ، للصور الجسمانية. آدم المعدن، ونوع النبات، وإبراهيم الحيوان، وموسى البشر، وعيسى الجن، ومحمد وآله الملائكة، والقائم الإنس بالعقل وهم أهل الجنة.
5
بل تتفاضل الملائكة كما تتفاضل الأنبياء على ست طبقات: أناس عالمون، وأمناء مربون، ورسل مصطفون، وخيرة روحانيون، وملائكة مرسلون، وعباد مكرمون. وكل له مقام معلوم.
وقد اشتق اسم الفترة من الفتور والملل، عندما يبرد الدافع الحيوي الأول. وهو معنى سلبي أي الانهيار والانحطاط، بداية النهاية عندما يصيب الإعياء النفوس الجزئية من العالم الجسماني فتعجز عن قبول التأييد، ثم يزول هذا العناء بظهور نفس زكية يتصل بها التأييد، وهو انهيار جماعي أيضا عندما يعود الضرر على كافة الناس بعصيانهم وإعراضهم عن الأساس والأئمة من ذريته في عصرهم وميلهم إلى الأضداد. عندئذ ينقطع مدد الإمامة، ويزول التأييد عنهم. ويتسلم الأمر اللواحق ثم الأجنحة فتظهر الأسقام، ويعم القحط والبلاء، وتقع الفتن والهلاك للتكبر على أولياء الله، وتنقطع الأمانة عن العالم مدة انقطاع الناطقة. واللواحق ليسوا أواخر الأئمة بل بيعتهم التي يسكنونها ويأوي الخلق إليها. والإمامة لا تنقطع عن العالم طرفة عين لأنها الحجة على الخلق. والحجة لا تنتهي بفساد العصر وإلا عم الهلاك مما يدل على أمل في المستقبل وإيمان شديد بالنصر حتى يظهر إمام جديد يقيم الشريعة ويهدى الناس. هاتان الحركتان، النهضة والسقوط، في الروح والبدن والطبيعة، الهداية والضلال، العلم والجهل، الصحة والمرض، النماء والقحط، الإصلاح والإفساد، الطاعة والمعصية، السقوط والخلاص كما هو الحال في اللاهوت المسيحي. ولا فرق في جدل التاريخ بين النهضة السقوط والنهضة من جديد ثم السقوط بين النبوة والإمامة داخل كل منهما بل وخارجهما، فانهيار النبوة إيذان بنهضة الإمامة.
Página desconocida