De la Traducción a la Creación (Volumen 2 El Cambio)

Hasan Hanafi d. 1443 AH
176

De la Traducción a la Creación (Volumen 2 El Cambio)

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث

Géneros

24

ومؤلفات ابن باجه لا تنفصل عن حياته؛ فكره قدره، وعلمه تجاربه، ولا يقتصر ذلك عليه وحده، بل هي سمة عامة عند الحكماء منذ الكندي حتى ابن رشد. الحديث عن النفس، والعلم تجربة. التعاليم الشفاهية بجوار المصادر المدونة، ليس استعراضا ذاتيا أو خروجا عن الموضوعية، بل بيان لنشأة العلم وتكوينه في الشعور. ويكشف التطور الفكري لابن باجه عن اشتغاله أولا بالموسيقى ثم بالفلك. والموسيقى علم رياضي، وكذلك الفلك والهندسة. ويذكر إشبيليا مدينة الموسيقى والغناء؛ مما يدل على الطابع الموروث المحلي للعلم والثقافة والفن، ثم اشتغل بالعلم الطبيعي قدر اشتغاله بالمنطق اعتمادا على الفارابي. وتشمل التجارب الأسفار والأماكن والزيارات؛ فقد كانت المعرفة تأتي من الواقع المباشر في مرحلة التأليف كما أتت من النص في مرحلة النقل، وأتت من العقل الخالص في مرحلة الإبداع. كما ينقد ابن باجه سابقيه ومعاصريه؛ فهو مرحلة من وعي تاريخي، وليس فقط من وعي اجتماعي. يحاور الماضي كما يحاور الحاضر، ويتجاوز الأمر مجرد الطابع الشخصي في التأليف، رسالة إلى صديق أو إلى فيلسوف، الكندي والمعتصم، ابن رشد والأمير، ابن باجه والوزير، ابن سينا والبلخي. يتحد الموضوع بالذات، والذات بالموضوع، والعلم بالتجربة، والتجربة بالعلم. ولا يعيب ذلك البداية الموضوعية بالعلم؛ فالعلم تجربة وحياة، هم بين قصر العمر وطوله. وأهم شيء في السلوك البشري هو الغاية. وهي التي وضعها الحكماء السابقون وأكد عليها أبو نصر. ومع ذلك منعت ندرة كتبه في الأندلس من الاطلاع عليها؛ لذلك يستأنف ابن باجه التأليف، إبداعا لا نقلا ، وذاتيا لا موضوعيا. وإن ما تركه أرسطو في الحادية عشرة من الأخلاق مجمل جدا لا يكفي، وهذا هو دافع التأليف، استكمال ما بدأه القدماء، الوافد أو الموروث، ويشتد هذا الشجن، اللقاء والوداع، في رسالة الوداع. ولا ينفي ابن باجه تعلمه على أيدي المشارقة بالرغم من بعد المشرق؛ فالعلم يتجاوز المناطق والجهات، وإن لم يصبح المشرق رمزا كما هو الحال عند ابن سينا في «منطق المشرقيين»، وابن طفيل في «أسرار الحكمة المشرقية»، أو ابن عربي في «عنقاء مغرب». والفيلسوف موقف معرض للمخاطر. البدن رقيق، والإنسان وصحبه يستطيع به الأسفار والتحرك واللقاء. ومع ذلك، الأخطار محدقة، أخطار سياسية واجتماعية، وإغراءات دنيوية.

ولأن العلم تجربة حية يخاطب المؤلف القارئ؛ فالتأليف عمل مشترك، رسالة متبادلة بين المعطي والمستقبل. وفي مخاطبة القارئ يظهر قول المؤلف كما تظهر غايته وقصده حتى البيان والإيضاح، وهو القارئ العادي، دعوة له للمشاركة في نفس التجارب والتأمل في النفس للانتهاء إلى نفس النتائج مع غاية الأدب والاحترام له، وكأن ابن باجه يعبر عقليا عن آية

وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون .

25

ويقوم الفن الشعبي أيضا على تجربة مشتركة بين الفنان والمشاهد، مثل قراءة القرآن، كتجربة جمالية مشتركة بين المقرئ والمستمع. ويترك للقارئ الاختيار بين طريقين؛ طريق الكمال المادي بالآلات واليسار، وهو كمال العبيد حتى ولو كان الإنسان حرا، وهو كمال وهمي وإن بدا في الظاهر كمال الصحة، هو كمال الفضائل الشكلية التي يخضع فيها الإنسان لمدبر آخر سواه، فيخرج عن مرتبة الإنسانية إلى مرتبة أشرف الحيوان غير الناطق، كالأسد في الجرأة. وقد يحدث الكمال بالصناعات العملية لخدمة إنسان آخر بتوسط مثل الأعداد للخيل، أو دون توسط كالكلب. والأفضل الكمال النفسي وبالذات، وهو أشرف مراتب الكمال، عندما تستمد الذات وجودها من ذاتها. وهذا هو طريق الحكماء السابقين واللاحقين في وعي تاريخي متصل، من الأنبياء إلى الحكماء، دون تجريح للقدماء أو غلق باب الاجتهاد على القادمين. هو خطاب لمن هو أهل له، اعتراف من حكيم إلى حكيم، وتوجيه من شيخ إلى مريد. وينتهي الخطاب بآية قرآنية مرسلة عن هذا الوعي التاريخي من السلف إلى الخلف، من رضي الله عنهم ورضوا عنه، وفازوا بالفوز العظيم، طريق التأمل متصل قبل ابن باجه ومعه وبعده. يشير ابن باجه إلى معاصريه ولمن لديهم الفطرة على السير فيه. قد يكون القارئ متميزا، وزيرا مثلا ، ومريدا طالب الحكمة مع الدعاء له بطول العمر والبقاء والعزة والعافية. يخاطب المؤلف القارئ، ويجعله طرفا في عملية الفكر في تجربة حضارية مشتركة، ومشاركة المؤلف القارئ ودعوته له تجعل القارئ يكتشف الحقيقة بنفسه استجابة لدعوة المحبة والود والدعوة لطلب الكمال واقتناء الفضائل. وأفضل علم ما تم نقله شفاهيا من الشيخ إلى المريد؛ فإن تعذر لقاء الأبدان يكون لقاء الأرواح عن طريق التدوين. إذا عزت الأذن حضرت العين. وأحيانا يكون العلم استيضاح المدون، سواء من المؤلف أو القارئ؛ مما يتطلب تغيير ترتيب العبارة والأسلوب على نحو أفصح؛ لذلك يشرح المؤلف لمزيد من الإفهام، ويرسل إلى القارئ المدون نفسه؛ فالعلم تبادل، بل إن المؤلف يسمح للقارئ بأن يحسن العبارة ويجعلها أكثر فصاحة وأنصع أسلوبا؛ فالقضية واحدة، والهدف مشترك. العلم إذن على ضربين؛ صناعي وطبيعي. الصناعي ما يتعلمه المتعلم من الآخرين، والطبيعي ما يكتشفه المعلم بنفسه. الأول داخل للنقل، والثاني خارج للإبداع. والعلم مشقة ومعاناة، ممكن بالرغم من زحمة الحياة وضيق الوقت وقصر العمر. العلم هداية من الله وتوفيق منه. فالمتعلم ليس فقط في حاجة إلى الصدق الإلهي لأن العلم كله من الله، وهو أسلوب التأليف منذ الكندي بالرغم مما في الأسلوبين من عجمة لغوية وألفاظ عربية قديمة لم تستمر؛ ربما لأنه أول فيلسوف بالمغرب، مثل الكندي أول فيلسوف في المشرق.

ولا يقل دور الناسخ عن دور القارئ في صياغة النص؛ فالناسخ هو الذي يقدم النص، ويقطعه إلى فقرات، كل منها مسبوق بقال فلان بكنيته أو بلقبه.

26 «قال» «يقول» عادة من الناسخ؛ لأنه جزء من الحضارة، وينتمي إلى النص، ويعتبر نفسه مسئولا عنه مسئولية المؤلف. يتم ذلك مع الموروث والوافد. تعبير «قال أرسطو» لا يدل على تبعية لأرسطو أو تقليد لأقواله، بل هي عادة تقطيع النص إلى وحدات صغرى طبقا للموضوعات. هو عمل إبداعي يدل على فهم تفصيلات الموضوع بتعبير المغاربة المحدثين. وقد يقوم الناسخ بإضافة مقدمة أو خاتمة قبل فعل القول. ويشعر الناسخ بأن ابن باجه مفكر مسلم ينتمي إلى الحضارة الإسلامية ، فيطلب رضا الله عنه. وهو يقطع كلامه في بداية المقال وفي نهايته مع البداية بالبسملة، والدعوة بالتوفيق من الله، والنهاية بالحمدلة والترحم عليه.

ثالثا: المجوسي، وابن البيطار، والطوسي، والفارسي، وابن الألعاني

(1) المجوسي

Página desconocida