Del Traslado a la Creación (Volumen 1: El Traslado): (1) La Documentación: La Historia - La Lectura - El Plagio
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Géneros
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ،
يؤتي الحكمة من يشاء ، في حين أن اللفظ الثاني معرب من اللفظين اليونانيين: فيلا سوفيا. وقد نقلا معربين: «الفلسفة»، ومترجمين: محبة الحكمة.
48
ثالثا: ظاهرة «التشكل الكاذب» (1) خطأ الحكم بالنقل والتأثر والخلط والتوفيق
ذاعت عدة أحكام خاطئة على علوم الحكمة منذ تسميتها الفلسفة الإسلامية بأنها امتداد لعلوم اليونان، وأن الحكماء؛ أي الفلاسفة، ما هم إلا أتباع المعلم الأول، وأن أقصى ما أبدعوه هو المعلم الثاني أو الشارح الأعظم. علوم الحكمة ما هي إلا شروح على متون الشرح لفظا بلفظ، وعبارة بعبارة، وفقرة بفقرة، وفصلا بفصل، وبابا بباب، وكأن المسلمين قد استبدلوا بنص الوحي نص أرسطو؛ فالأنا يدور في فلك الآخر. الآخر هو الأصل، والأنا الفرع. كان أقصى إبداع للحضارة الإسلامية هو شروحها على أرسطو ونقل ذلك إلى الغرب، استفاد منه أولا لتأييد الدين ثم لفظه ثانيا عندما اكتشف عورته وهو بصدد نشأة العلم الحديث إبان الفصل بين الفلسفة والدين، والعلم والإيمان. وقد أصدر هذا الحكم بعض المستشرقين. وتابعهم فيه بعض العرب المقلدين من محرري الكتب المقررة ومدعي التجديد إيحاء برفض المحلية وتبنيا لمحلية الثقافة وهي اليونانية، مستنكفا من حضارة الأنا ومدعيا ثقافة الآخر، إحساسا بالدونية. وبالإضافة إلى عيوب الاستشراق العامة المنهجية والموضوعية التي وراء كثير من أحكامه يخطئ هذا الحكم ليس فقط بالنسبة للحضارة الإسلامية في التقائها مع الحضارات المجاورة، بل بالنسبة لالتقاء الحضارات بعضها بالبعض الآخر. فلا توجد حضارة ناقلة لأخرى.
49
الحضارات كائنات حية، لكل منها استقلالها الذاتي، وحياتها الخاصة، وشخصيتها المتميزة، لكل منها جوهرها وبؤرتها ومحاورها وتصورها للعالم وقيمها. لكل منها عمرها ودورتها ودورها في تاريخ الحضارات البشرية. علاقاتها بالحضارات المجاورة تحكمه قوانين التقاء الحضارات ومنطقه والذي حاول الغرب صياغته في علم «أنثروبولوجيا الثقافة». إن لم يعرفه التابع العربي نظرا لعدم اطلاعه على الثقافة الغربية والعلوم الإنسانية، فإن المستشرق لا عذر له لأن الثقافة الغربية ثقافته، والعلوم الإنسانية علومه. وعادة ما يكون المستشرق لغويا مؤرخا لا شأن له بتطورات الثقافة الغربية ولا علومها، عالما داخل حضارته من الدرجة الثانية. وقد يكون على علم بها ولكنه بها ضنين؛ فهي إبداعات الحضارات المتميزة الحديثة لا تطبق إلا في الموضوعات المتميزة الحديثة. والحضارة الإسلامية ليست كذلك؛ فهي تنتمي إلى الحضارات اللاأوروبية، حضارات الأطراف التي وظيفتها النقل عن المركز. تنتمي إلى الحضارة السامية بما فيها من تناقض وسحر وتسلط في مقابل الحضارة الآرية التي تقوم على العقل والعلم والحرية. وهي نظرة عنصرية قديمة سادت الاستشراق الأوروبي في القرن الماضي. والواقع أن كل حضارة تتفاعل مع غيرها من الحضارات المجاورة، تأخذ منها طبقا لاختيارها الخاص، وتتمثل منها ما تريد، وتعيد توظيفه من منظورها وطبقا لاحتياجاتها. لا يوجد نقل حرفي أو تقليد فردي من حضارة لأخرى؛ فهذا افتراض نظري لا وجود له، يدل على عقلية الرائي وأهدافه أكثر مما يكشف الموضوع المرئي وتكوينه. هي عقلية تقوم على التفرقة بين المركز والمحيط، الأصل والفرع، المبدع والناقل، العبقري والمجدب، الأبيض والأسود، السيد والعبد، اليوناني والبربري. تلك كانت علاقة اليونان بغيرهم من الشعوب المجاورة، نموذج علاقة الغرب الحديث بالشعوب اللاأوروبية في أفريقيا وآسيا بعد القضاء على الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية.
وقد يخف الحكم من النقل الآلي، والنسخ المطابق، والتقليد الأعمى إلى الأثر والتأثر، أثر الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية، وتأثر الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية. هنا على الأقل يوجد تمايز بين حضارتين، تمايز وجود، وأن كان هناك فيض من المركز إلى المحيط في الثقافة والعلوم. هناك أثر ميتافيزيقا أرسطو على إلهيات ابن سينا في العلة الأولى والمحرك الأول، وأثر فيض أفلوطين على تصور الفارابي للصلة بين العقل الأول والعقول العشرة، وأثر أفلاطون على أنصار الحكمة الإشراقية مثل إخوان الصفا، وأثر أرسطو على ابن رشد في كل شيء في المنطق والطبيعات والإلهيات. أقسام النفس وقواها عند ابن سينا من أرسطو، والمدينة الفاضلة عند الفارابي من جمهورية أفلاطون. ويرجع خطأ الحكم بالأثر والتأثر إلى السرعة والحكم بظاهر اللغة بالإضافة إلى عموم استعمال لفظي الأثر والتأثر؛ فاللغة ثوب الفكر بتعبير القدماء، شكل دون مضمون، لفظ دون معنى، بدن دون نفس، صوت بلا دلالة. واستعمال علوم الحكمة ألفاظ الفلسفة اليونانية ومصطلحاتها لا تعني تبني معانيها وتصوراتها أو وصف نفس الأشياء التي تحيل إليها هذه الألفاظ وتفيد نفس المعاني. اللفظ مجرد أداة ووسيلة وليس غاية أو قصد الحكم بالأثر والتأثر إذن حكم متسرع لا يذهب أبعد من مستوى الألفاظ بدعوى أنه حكم على المضمون. ينطلق من اللغة، ويمتد إلى الفكر، من العرض إلى الجوهر، ومن الظاهر إلى الحقيقة. وكان المستشرق قد تربى على أن أصول الحضارة عند اليونان كما تدل على ذلك الحضارة الغربية في عصورها الحديثة. كما أن المستشرق عنصري الحضارة، مركزي الثقافة، أبيض اللون، ومتفوق العصر كما يبدو في الأعمال السينمائية. وبالتالي يحيل موضوعه في الأطراف إلى أصوله في المركز، فيحكم بالأثر والتأثر. الغير عنده يرد إلى الأنا لديه؛ فيرد كل شيء إليه، وتصب الخيرات والثروات والسكان والعلوم والثقافات في المركز من المنابع التي خرجت منها: ذهب جنوب أفريقيا، عبيد أفريقيا، قطن مصر، توابل الهند، مطاط الملايو، ثقافة العالم القديم وعلومه. حضارة اليونان خلق عبقري على غير منوال. أثرت في حضارات الشعوب المجاورة، مصر وفارس وفينيقيا وكنعان وبابل وآشور، ولم تأخذ منها شيئا بالرغم من حداثة اليونان وقدم شعوب الشرق القديم.
50
والحقيقة أن لفظ أثر لفظ متشابه. الأثر متعدد المستويات: المستوى الأول اللغة، وهو ما حدث في علوم الحكمة، هو المستوى الظاهري الشكلي الخارجي. وهو ليس أثرا بالمعنى الدقيق بعد عصر الترجمة، بعد أن أصبحت اللغة مشاعا عند الجميع، لا فرق بين وافد وموروث. إنما الخلاف بين اللفظين المتشابهين هو خلاف فقط في علم الأصوات، في طريقة النطق مثل عقل
Página desconocida