De la Traducción a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Géneros
39
إن إعداد ترجمة يونانية قديمة لا فائدة منها بالنسبة للترجمة العربية القديمة؛ فالموقف الحضاري للمترجم القديم غير الموقف الحضاري للمترجم الحديث،
40
الأول لم يكن فقط مترجما لنص من لغة إلى لغة، بل ناقلا لثقافة بأكملها من حضارة إلى حضارة، متمثلا الأولى في الثانية. في حين أن الثاني مجرد ناقل لثقافة الآخر إلى ثقافة الأنا عبر اللغة؛ من أجل نشر المعلومات دون أن يكون له موقف حضاري خاص؛ ومن ثم استحال الحكم على الترجمة العربية القديمة، التي تعبر عن الموقف الحضاري للمترجم بالترجمة العربية الحديثة، التي لا موقف حضاري لها أو التي لها موقف حضاري مخالف، وهو نشر ثقافة المركز في الأطراف. موقف المترجم القديم يعبر عن أصالة ثقافية، بينما يعبر موقف المترجم الحديث عن تبعية ثقافية. المترجم الأول يتمثل ويحتوي ويعلق ويلخص ويشرح ويؤلف ويبدع، بينما المترجم الثاني مجرد ناسخ طبق الأصل للنص الأول في النص الثاني مع اختلاف اللغة. الترجمة الحديثة لا تعبر عن موقف حضاري جديد؛ فالثقافة اليونانية ليست غازية لنا، ولا توجد هناك حركة لاحتوائها، على عكس الثقافة الأوروبية الغازية، وعدم وجود ترجمات عربية لنصوصها، بغرض تمثلها واحتوائها وتلخيصها، وشرحها من أجل التأليف في موضوعاتها ثم الإبداع المستقل عنها. تهدف الترجمات الأوروبية الحديثة داخل حضاراتها، إلى معرفة النصوص القديمة، كوثائق تاريخية دون تشويه الترجمات العربية لها، ومثل معرفة نصوص الكتاب المقدس، وإعادة ضبطها كوثائق تاريخية ومصادر للتراث الغربي. إن أية ترجمة حديثة لكتاب الشعر لا فائدة منها؛ فإصلاح النص القديم ليس هو المطلوب؛ لأنه يعبر عن موقف حضاري وليس مجرد ترجمة حرفية. وبيان براعة الباحث الجديد ومدى علمه باللغات الأجنبية، إحساس بالنقص أمام التراث الغربي والباحث الغربي. وهو أيضا تقليد للأوروبيين في نشر نصوص تعتبر مصدرا للتراث الغربي وليست مصدرا لتراثنا. وخدمة النص اليوناني وإظهاره في كل اللغات، وقوع في ثنائية المركز والأطراف، المركز اليوناني والطرف العربي. إن المواجهة الآن مع الغرب ليست مع كتاب الشعر، بل مع رأس المال ؛ فكما كون كتاب الشعر وجدان القدماء، كذلك يكون كتاب رأس المال وجدان المحدثين.
ومقارنة الترجمة القديمة بالترجمة الحديثة، تظهر الموقفين الحضاريين المتباينين، قراءة الأولى ونقل الثانية، تمثل الأولى ونسخ الثانية، رؤية الآخر من خلال الأنا وتبعية الأنا للآخر في الثانية، تعبر الأولى عن موقف حضاري، بينما الثانية مجرد نسخ وتقليد لأهداف لها.
إن كل التعليقات غير الواردة في الترجمة القديمة، والتي تأتي من الناشر الحديث، إنما هي مستمدة من النشر الأوروبي الحديث، ولا دلالة لها إلا من حيث البحث عن النص كوثيقة تاريخية، وهو ما تم في الغرب، وله دلالته الحضارية عنده، إبان نشأة النقد التاريخي للكتب المقدسة، بحثا عن الرسالة الضائعة والوحي المحرف، والكلام غير المدون. يهم الناشر الأوروبي الحديث النص اليوناني، وليس الموقف الحضاري، على عكسنا نحن. ولو أن النشر العلمي للوثيقة التاريخية، له دلالة حضارية عندهم في اللاوعي، لا يعرفونها هم ونعرفها نحن، وهو البحث عن الرسالة التاريخية والكتاب المدون بلا تحريف. وما أكثر اتهام الناشر الجديد للترجمة العربية القديمة، حتى يظهر قواه في ضبط المعنى، وإمكانياته باللغات الأجنبية ومعرفته بدراسات المستشرقين! وما أهمية الترجمة الحديثة للنص اليوناني القديم؟ هل بيان مدى جهل القدماء وعلم المحدثين؟ إن الموقف الحضاري مختلف تماما؛ فالقدماء لم يكونوا فقط مترجمين، بل ناقلين للنص الحضاري من بيئة ثقافية إلى بيئة ثقافية مغايرة، سريانية أو إسلامية، في حين أن المحدثين مجرد مترجمين؛ بمعنى مطابقة الترجمة الحديثة للنص القديم، دون أية قراءة أو تأويل؛ مجرد ترجمة مهنية آلية، طبقا للموضوعية والحياد، وهما مستحيلان عمليا؛ فكل ترجمة قراءة أو تأويل شعوري أو لا شعوري، فردي أو جماعي، حتى وإن لم يكن ذلك مقصودا عند المترجم الحديث. أما إذا كان الهدف بيان مدى دقة القدماء في إنشاء المصطلحات، فإن القدماء قد أبدعوا في ذلك، ونحن ما زلنا نعيش على تراثهم. ليست المعركة مع النص اليوناني القديم، بل مع وريثه الغربي الحديث، الذي نصب نفسه مقياسا وأصلا ثانيا، يتم على أساسه إصلاح الترجمة العربية القديمة؛ فلا يجوز في طبع الترجمة العربية القديمة إكمال النقص بها اعتمادا على النص اليوناني، أو حذف نص أصلي لم يرد فيها؛ فهذا قضاء على مادة العملية الحضارية التي قام بها القدماء من خلال الترجمة. بالنسبة للأوروبي هناك تحريف في الترجمة العربية عن النص اليوناني؛ لأن الأصل عنده اليوناني وليس العربي؛ يريد تصحيح اليوناني بالعربي دون رؤية العمليات الحضارية التي تمت من النص اليوناني إلى الترجمة العربية. والترجمة العربية بالنسبة للباحث الوطني هي الأصل، والنص اليوناني هو الفرع، ولا يجوز تصحيح الأصل بالفرع.
41
كل ترجمة مخالفة للنص اليوناني تكون خاطئة عند المستشرق؛ لأن اليوناني هو الأصل والعربي هو الفرع، مع أن الاختلاف بين النص والترجمة راجع إلى منطق حضاري محكم. (4) الترجمة والنص
لا تعني الترجمة كعمل حضاري أي خروج على النص، بل تعني البحث عن «نص كلامه»، كما يقول حنين بن إسحاق في ترجمته لكتاب «النفس لأرسطو»؛
42
Página desconocida