De la Traducción a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Géneros
ولقد وصف الاستشراق المترجمين بأنهم عرب غير مسلمين؛ لأنهم قوميون طائفيون، دون الإشارة إلى انتسابهم إلى العروبة لغة، وإلى النصرانية دينا، وإلى الإسلام ثقافة، دون أن يكون هناك تعارض بين اللغة والدين والثقافة، ثلاث دوائر متداخلة في الوعي العربي.
وكان للمترجمين أسماء يونانية نقلت من السرياني إلى اليوناني، اعتزازا بالمسيحية مثل أتانس، ثاوفيل، باسيل. وكانت لهم أيضا أسماء عربية نقلت من السريانية إلى العربية، مثل يحيى بن عدي، حنين بن إسحاق، إسحاق بن حنين؛ فكلما كانوا مزدوجي الثقافة، يونانية وعربية، كانوا مزدوجي الأسماء، اليونانية حفاظا على الدين، والعربية حفاظا على العروبة؛ ومن ثم التقوا مع إخوتهم عرب الجنوب على العروبة وإن لم يلتقوا على الدين.
لم تكن اليونان جزيرة منعزلة عن الحضارات القديمة، بل كانت في علاقات متبادلة، بابل وكنعان شرقا وفارس والهند ومصر جنوبا؛ لذلك تظهر ألفاظ الهند وفارس ومصر في نصوص أرسطو. لم يدع اليونان أنفسهم معجزة يونانية، بل هي من خلق الغرب الحديث، النموذج الآري في مقابل النموذج السامي.
8
وكان المترجمون خارج اليونان في الشام مثل ديسقوريدس، وفي مصر مثل الإسكندرانيين.
وتكشف مقدمة كتاب ديسقوريدس عن تطور العلم والانتقال من القدماء إلى المحدثين، وضرورة جمع السمع بالعيان، والنقل بالتجربة. وهي نفس السنة التي سار عليها الأطباء العرب يونانا وسريانا ومسلمين ويهودا ونصارى.
9
ترجم مهران بن منصور كتاب الحشائش لديسقوريدس من السريانية إلى العربية. ويذكر المترجم في المقدمة جالينوس فاضل الأطباء، وحنين الفاضل الربان الذي نقل كتاب الحشائش لديسقوريدس من اليونانية إلى السريانية لرئيس الأطباء بختيشوع بن جبريل، ثم نقله المترجم من السريانية إلى العربية، وكان أحد أقرباء الأمير قد طلب نقل الكتاب. وكانت ترجمة ابن سالم الملطي قليلة الفصاحة، ولا وضوح للألفاظ العربية حتى لا تفيد أضدادها؛ لأن نقل اللغات يقتضي تغير العبارات والحركات، والتقديم والتأخير، والإضافة والحذف، فقام مهران بن منصور بترجمته من جديد.
10 (2) دوافع الترجمة
ليست القضية إذن نقل التراث اليوناني إلى العالم الإسلامي؛ فهذا تصور غير مطابق لطبيعة العمليات الحضارية التي تحدث عندما تلتقي حضارتان: حضارة ناشئة مثل الحضارة الإسلامية، وحضارة وافدة مثل الحضارة اليونانية؛ هذا التصور يجعل الحضارة اليونانية هي الأصل، والحضارة الإسلامية هي التابع، مثل علاقة المركز بالمحيط، وهو تصور غير صحيح؛ فالحضارة الإسلامية هي الأصل، هي المتلقي، والحضارة الوافدة هي الفرع، الموروث هو المركز والوافد هو المحيط. كما أنه يجعل الغاية من نقل الأصل هو المحافظة عليه بلا تغيير أو تبديل، وكأنه جوهر لا تاريخي، لا يتبدل أو يتغير، لم ينشأ في الأصل كتاريخ، ولم ينقل بعد ذلك كتاريخ، ولم يحدث تفاعل بينه وبين البيئة الجديدة التي نقل إليها إلا كما يأتي الرجل الأبيض في مناطق مكتشفة، لا سكان فيه ولا أصحاب، لا ثقافة ولا دور، لا موروث فيها ولا فكر، وإن دورها يقتصر على مجرد النقل دون الإبداع، التلقي دون العطاء، الاستهلاك دون الإنتاج، ثم تقوم بدورها بنقله للآخرين كجوهرة ثمينة تم حفظها بلا ضياع، وكل تغيير أو تبديل فيها ضد مهمة النقل الأمين، والحفظ المصون، سوء فهم وتفسير وخلط. وهذا ما تم عندما بدأ نقل آخر من الحضارة الإسلامية إلى الحضارة الأوروبية في نهاية العصر الوسيط، من العربية إلى اللاتينية، مباشرة أو عبر العبرية، فاكتشفوا أن الناقل، وهو الحضارة الإسلامية، لم يكن أمينا، أضاف وحذف، أول وفسر، استخدم لصالحه، خلط بين أفلاطون وأرسطو، ونسب إلى أرسطو جزءا من تاسوعات أفلوطين، واعتمد على المنحول، فلما جاءت العصور الحديثة في الغرب، اكتشفت ذلك كله وقامت بالتصحيح، ورفضت هذا النقل، وعادت إلى الأصل اليوناني تعيد نشره وتحقيقه كي تنهل منه من جديد، وكأن الحضارة الأوروبية الحديثة في الفلسفة والفن والأدب لم تتمثل ولم تفسر ولم تؤول كما فعلت الحضارة الإسلامية، وكأن النقل عن المسلمين لم يكن له أدنى دور في نشأة التيارات العقلانية العلمية في العصر الوسيط المتأخر وبداية النهضة الأوروبية الحديثة.
Página desconocida