فلنتواضع أيها الصديق، ولتعدل أنت عن لجنتك، ولأعدل أنا عن مدرستي، ولنكتف بما اكتفى به الناس من قبلنا، وبما سيكتفي به الناس من بعدنا، فنحب الخير وندعو إليه، ونبغض الشر ونصد عنه، ونحلم من حين إلى حين بأن بلوغ المثل الأعلى قريب يسير، فنستمتع بهذا الحلم ساعة من نهار أو ساعة من ليل حين نكتب ما نكتب للثقافة، ونمتع قراءنا بهذا الحلم ساعة من ليل أو ساعة من نهار حين يقرءون ما نكتب لهم، فستجيب لنا نفوسهم وتخلص لنا قلوبهم، ويسايروننا في هذه الطريق التي تحفها الرياض النضرة؛ حتى إذا أفقنا من حلمنا ورأينا ما في الحقيقة الواقعة من نقص المروءة وضعف الخلق، وتغلب المنافع العاجلة على محاسن الشمائل وخيار الفضائل، تمثلنا بقول جميل لبثينة، وهل كان جميل إلا طالبا للمثل الأعلى مثلك ومثلي؟ وهل كانت بثينة إلا رمزا لهذا المثل الذي تسعى الإنسانية في أثره فلا تبلغه؟ فلنتمثل إذن بقول جميل لمثله الأعلى:
ومنيتني حتى إذا ما ملكتني
بقول يحل العصم سهل الأباطح
تناءيت عني حين لا لي حيلة
وغادرت ما غادرت بين الجوانح
مدرسة الأزواج
أرادت وزارة الشئون الاجتماعية أن تصلح نظام الحياة في مصر، وكان بين النظم التي ذكرتها في أحاديثها وإعلاناتها نظام الأسرة؛ لأنها لاحظت كما لاحظ الناس منذ زمن بعيد، وكما سيلاحظون إلى زمن بعيد، أن نظام الأسرة المصرية في حاجة إلى الإصلاح. وقد بحثت، وأستطيع أن أبحث دائما عن بيئة متحضرة ترضى عن نظمها الاجتماعية، وتطمئن إليها، ولا تبتغي لها إصلاحا؛ فلم أجد، ويظهر أني لن أجد مهما أمعن في البحث والاستقصاء.
فالسخط على الحياة الحاضرة أصل من أصول الطبيعة الإنسانية، وهو سبيل هذه الطبيعة الإنسانية إلى التطور والرقي، كما أن الرضى المطلق سبيلها إلى الجمود والخمود، ثم إلى التدهور والانحطاط؛ فستظل دائما في حاجة إلى الإصلاح مهما تكن أمورنا صالحة، وسنسخط دائما على نظام الأسرة مهما يكن هذا النظام مصدر لذة لنفوسنا وغبطة لقلوبنا، وسعادة تعيننا على احتمال أعباء الحياة. والشر كل الشر أن نسرف في تقدير هذا السخط الطبيعي الذي يدفع إلى العمل، ويسمو بالناس إلى الكمال، ويطمح بهم إلى المثل العليا. الشر كل الشر أن نغلو في تقدير هذا السخط فنحوله إلى يأس مثبط للهمم، مفسد للآراء، صارف عن العمل، باعث على القعود.
فليس نظام الأسرة في مصر بالقياس إلى الحياة المصرية، من الفساد والقبح بحيث يظن المتشائمون، ولكنه نظام يلائم حياتنا، وقد أنتج لنا نتائج رضينا عنها ورغبنا فيها، وهو كغيره من النظم قابل للتطور، مصدر لشيء من القلق، معرض لكثير من الاضطراب؛ فالخير في أن نلاحظه ملاحظة دقيقة، ونلائم بينه وبين ما يلم بحياتنا من ألوان التطور، حتى لا يختل التوازن بين أعضاء الأسرة من جهة، وبين الأسرة والبيئة الاجتماعية من جهة.
وكنت أظن حين أنشئت وزارة الشئون الاجتماعية أنها ستكون وزارة ملاحظة ومراقبة وإحصاء وتسجيل؛ تلاحظ حياتنا من جميع أنحائها، وتراقب ما يعرض لها من العوارض، وما يلم بها من التطور، وما يكون لذلك من أثر في الدقيق والجليل من أمرها، ثم تسجل هذا كله وتحصيه وتستخلص نتائجه وتعلنها إلى الناس، ليتعلم منهم من يريد العلم، وليصلح منهم من يريد الإصلاح. وتعلنها بنوع خاص إلى الذين إليهم تدبير الأمر في هذه البلاد ليروا فيها آراءهم، وليطلبوا لها بما تقتضيه من أعمال التشريع والتنفيذ.
Página desconocida