De Vivo a Muerto: A Mi Hermano
من حي إلى ميت: إلى أخي
Géneros
إن أزقة هذه البلدة وساحتها ومدرستها، ودار كنيستها وبيوتها وحقولها كلها تحمل تذكارات حداثتك، ومعظم سني حياتك في لبنان.
ولهذا السبب تراني الآن أتخيلك أمامي أنى توجهت، وكيفما حللت.
أتمثلك تارة حدثا صغيرا جالسا مع أترابك في مدرسة القرية، تتعلم أصول الهجاء، وطورا تبدو أمامي كأنك لم تزل تلعب معهم في أزقة البلدة ودار كنيستها.
ثم أتخيلك، وقد بلغت رشدك، وانبلج فجر شبابك، متنزها برفقة فتيان القرية وفتياتها، قاطعا هضابها، ومتنقلا في بساتينها وحقولها.
كنت في ذلك العهد تستقبل نسيم الفجر، فتبدو كأنك فجر يستقبل فجرا، أو نسيم يداعب نسيما. وكنت في الحقل تجني الأقمار، فتظهر فيه كأنك قمر يجني قمرا.
في مطلع شبابك، ما كان الورد أفضل منك لونا، ولا كان النسيم أخف منك روحا، ولا أرق لطفا.
والبيت، ماذا أقول لك عن البيت؟! كان عشنا في الصغر، في كنفه درجنا، وفي ظل الأبوين وتحت رعايتهما ربينا.
دخلته البارحة وفي القلب غصة، وفي العين دمعة، جلت فيه، وكل ما فيه يذكرني بك يا أخي.
هذه غرفتك، تحوي سريرك وكتبك وبعض أمتعتك، وهذه رسومك العديدة التي تمثلك منذ صغرك إلى يوم وفاتك معلقة كلها في الدار وفي البهو، وفي كل ناحية من نواحي البيت.
وأما تحاريرك التي كتبتها لي وللوالد الحنون، فلم تزل كلها محفوظة بين كتبك، تلوتها البارحة رسالة رسالة، فشعرت كأن وجدانك متجسم في تلك الأوراق، وكأن روحك مستترة بها، وسأعيد تلاوتها كل يوم، حيث أخال نفسي كأني أستعيد في قراءتها أيام حياتك.
Página desconocida