وصبر على غيظ، وسكتت زوجته على حسرة وخزي وألم ...
وضاقت بالفتى أيامه، فعاد يتذكر أخته، وسعى إلى بابها وسأل، وكان زوجها في الدار، فتوارى الفتى يترقب، وطوى ورقة مكتوبة ودفعها إلى البواب ... وصار هذا شأنهما من بعد ...
وكان يقصدها كلما ضاق به أمره، ليس بين المرة والمرة إلا أيام، فتعطف عليه أخته وتنيله، ثم تقاربت مواعيده حتى صار له راتب مفروض في كل يوم ... وبصر به الطبيب مرة وهو خارج فأغضى كأن لم يره، وتجرأ الفتى من بعد فاستعلن وراح يطرق الباب حين يشاء من ليل أو نهار يطلب ما يطلب، وترادفت مطالبه ...
وضاق صدر الزوج ونفد احتماله، فتصبر، ثم علم من شئون عباس ما لم يكن يعلم، فغضب لنفسه ...
لقد يكون من المحتمل أن يلقى الرجل ذا حاجة فيدفع إليه بعض ما يستعين به، ولقد يؤثره على نفسه بما يمنحه، ولكن من ذا تطيب نفسه بأن يكون ما يدفع إلى ذي حاجة من ماله وسيلة إلى اللهو الحرام ...؟
هكذا قال الطبيب لنفسه فثارت ثائرته، إنه يشقى ما يشقى في تحصيل هذا المال ليسعد به وليسعد غيره، لا لينفقه عباس على موائد الشراب والقمار!
وتحدث إلى زوجته بما في نفسه، وإن كلماته لترتجف من الغضب، واستمعت زوجته إليه مطرقة، ثم خلت إلى نفسها لتبكي ...
ولم يكف عباس ولم تحرمه أخته، وعاد الأمر بينها وبين أخيها سرا كما بدأ، واستمرأ المرعى فكشف الحجاب ... وكان ما تنيله معروفا ونافلة فعاد ضريبة مفروضة، وتكررت مطالبه وكثر مطلوبه، وألح إلحاح الجابي على مدين مماطل ...!
وتعود سكان الحي أن يروه كل يوم مرة أو مرات في موقفه ذاك ذليلا ناكس الرأس وعيناه إلى النافذة، أو إلى الباب، حتى إذا أمكنته الفرصة وثب فكان على باب أخته، فحينا يكون الأمر بينهما تشكيا واعتذارا، وحينا يكون تهديدا وصخبا وضجة؛ وهم بأخته مرة يحاول أن يضربها لتعطيه ... تعطيه من مال زوجها ما يعينه على ثمن الشراب، وتكاليف الشباب، ثم يتركها لأحزانها ويمضي لهواه ...
وضاقت به أخته كما ضاق به زوجها من قبل ...
Página desconocida